أبو بكر الصديق رضي الله عنه
محمد
رضا
مقدمة
- أحمد الله وأستغفره على نعمائه
الجمة وآلائه التي لا تعد ولا تحصى وأستغفره من كبائر الذنوب وصغائرها وأسأله
الهداية والتوفيق . وأصلي وأسلم على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما
بعد فقد كنت شديد الرغبة في تأليف سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لنشرها على
العالم الإسلامي فقضيت الأيام والليالي الطوال في الإطلاع والبحث في كتب السير
فجمعت شتاتها وشرحت الغامض منها وحققت الروايات وأثبت تواريخ الوقائع ورددت على
الاعتراضات والترهات ردودا مدعمة بالبراهين الساطعة والحجج القاطعة فجاء الكتاب
وافيا بغرضي من حيث إيصال المعلومات الصحيحة إلى العالم الإسلامي . ولما فرغ طبعه
تلقاه الناس بالقبول والاستسحان وأقبلوا على مطالعته بشوق وشغف ونال بحمد الله
وفضله رضا العامة والخاصة وتواردت علي رسائل التفريط والتشجيع من الكبراء والعلماء
والأدباء حتى عجزت عن شكرهم على ثقتهم بشخصي العاجز الضعيف وشعرت بقوة تدفعني إلى
مواصلة البحث والتأليف بالرغم من كثرة المشاغل الدنيوية .
وقد سألني كثير من الأصدقاء الأعزاء أن أتبع
سيرة رسول الله بسير الخلفاء بنفس الطريقة التي انتهجتها فسرتني فكرتهم ولم يسعني
إلا إجابة طلبهم واستخرت الله تعالى أن أكتب سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
فإنه أول الخلفاء الذين أمرنا رسول الله بالاقتداء بهم والاهتداء بهديهم
لما
توفي النبي صلى الله عليه وسلم ارتجت العرب واختلف المسلمون ولا سيما الأنصار
والمهاجرون في الخلافة فتدارك الأمر أبو بكر بحكمته وسرعة بديهته وتمت له البيعة
بالإجماع . وقد برهن رضي الله عنه أنه أكفأ رجل وأنه رجل الساعة وقتئذ لأن العرب
عندما سمعوا بوفاة رسول الله ارتد كثير منهم واستفحل أمر المرتدين في جزيرة العرب
وظهر المتنبئون وجمعوا جيوشهم وثاروا على المسلمين .
فمنهم من خرج عن الإسلام ومنهم من منع الزكاة
ووضع الصلاة وأباح المحرمات وطرد كثيرا من الولاة ولولا شدة تمسك أبي بكر بسنة
رسول الله وقوة عزيمته وشجاعته لتغلب المرتدون وقضوا على الإسلام قضاء مبرما .
ولقد
هال أمر المرتدين في بادئ الأمر كبراء الصحابة ولكن أبا بكر ثبت ولم يتزعزع وظهرت
كفايته في إرسال الجيوش واختيار القواد والولاة إلى جميع أنحاء جزيرة العرب فكبح
جماح المرتدين وهزمهم شر هزيمة واستتب الأمن في البلاد في أقل من سنة .
ولم يقتصر على ذلك بل بعث الجيوش إلى العراق
والشام فانهزمت الفرس والروم ومن والاهما من العرب .
وقد
تم ذلك كله في مدة خلافته وهي سنتان وأشهر ولا شك أن هذه مدة قصيرة بالنسبة إلى ما
تم في خلالها من جلائل الأعمال وقد مهد بذلك طريق الفتوحات الإسلامية لمن جاء بعد
من الخلفاء واتضحت بذلك حكمة رسول الله في اختيار أبي بكر بعده
وقد
كان رضي الله عنه مع ذلك لطيفا وديعا متواضعا زاهدا في الدنيا متقشفا عادلا غير
طامع في ملك أو غنى بل كان كل همه نشر الإسلام وتوطيد أركانه واتباع سنة رسول الله
.
وقد كان مؤلفا لقلوب المسلمين .
وعلى العموم كان خير قدوة لهم في دينهم ودنياهم
.
وقد اختار لهم خير من يصلح للخلافة بعده وهو عمر
بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان وزيره وقاضيه وملازما له طول مدة خلافته وذلك
حفظا لكيان الإسلام
هذا
هو أبي بكر الصديق خليفة رسول الله الذي عنيت بترجمة حياته وشرح خلافته ومآثره في
كتابي هذا
وإني
لأرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفقت في عملي .
كما أرجو أن ينتفع به المسلمون ويتدبروا في سير
سلفهم الصالح بعد أن سهلت لهم ما يتعسر فهمه من حيث شرح المواقع وسير الرجال وضبط
التواريخ وتفسير الألفاظ الغامضة تسهيلا للبحث والمراجعة وتوفيرا للوقت .
وإني في الختام أقدم مزيد شكري لجميع الذين
أبدوا اهتمامهم وإعجابهم بمؤلفي " محمد رسول الله " ولا شك أني مدين لهم
بهذا العطف والتشجيع
محمد
رضا
ترجمة
حياة أبو بكر الصديق رضي الله عنه
-
هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي
القرشي التيمي . يلتقي مع رسول الله في مرة بن كعب . أبو بكر الصديق بن أبي قحافة
. واسم أبي قحافة عثمان . وأمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن
تيم بن مرة وهي ابنة عم أبي قحافة
أسلم
أبو بكر ثم أسلمت أمه بعده وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال العلماء : لا
يعرف أربعة متناسلون بعضهم من بعض صحبوا رسول الله إلا آل أبي بكر الصديق وهم :
عبد الله بن الزبير أمه أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة . فهؤلاء الأربعة صحابة
متناسلون . وأيضا أبو عتيق بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة رضي الله عنهم
ولقب
عتيقا لعتقه من النار وقيل لحسن وجهه . وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : ( أبو بكر عتيق من النار ) فمن يومئذ سمي ( عتيقا ) . وقيل
سمي عتيقا لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به . وأجمعت الأمة على تسميته صديقا . قال
علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( إن الله تعالى هو الذي سمى أبا بكر على لسان
رسول الله صلى الله عليه وسلم صديقا ) وسبب تسميته أنه بادر إلى تصديق رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولازم الصدق فلم تقع منه هنات ولا كذبة في حال من الأحوال .
وعن عائشة أنها قالت :
( لما
أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يحدث الناس بذلك فارتد ناس
ممن كان آمن وصدق به وفتنوا به . فقال أبو بكر : إني لأصدقه في ما هو أبعد من ذلك
أصدقه بخبر السماء غدوة وروحة فلذلك سمي أبا بكر الصديق
)
وقال
أبو محجن الثقفي :
وسميت
صديقا وكل مهاجر ... سواك يسمى باسمه غير منكر
سبقت
إلى الإسلام والله شاهد ... وكنت جليسا في
العريش المشهر
ولد
أبو بكر سنة 573 م بعد الفيل بثلاث سنين تقريبا وكان رضي الله عنه صديقا لرسول
الله قبل البعث وهو أصغر منه سنا بثلاث سنوات وكان يكثر غشيانه في منزله ومحادثته
. وقيل كنى بأبي بكر لابتكاره الخصال الحميدة . فلما أسلم آزر النبي صلى الله عليه
وسلم في نصر دين الله تعالى بنفسه وماله . وكان له لما أسلم 40 . 000 درهم أنفقها
في سبيل الله مع ما كسب من التجارة
قال
تعالى { وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى } .
الليل 17 - 19
وقد
أجمع المفسرون على أن المراد به أبو بكر . وقد رد الفخر الرازي على من قال إنها
نزلت في حق علي رضي الله عنه
كان
أبو بكر رضي الله عنه من رؤساء قريش في الجاهلية محببا فيهم مؤلفا لهم وكان إليه
الأشناق ( 1 ) في الجاهلية . كان إذا عمل شيئا صدقته قريش وأمضوا حمالته وحمالة من
قام معه وإن احتملتها غيره خذلوه ولم يصدقوه . فلما جاء الإسلام سبق إليه وأسلم من
الصحابة بدعائه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة وهم : عثمان بن عفان والزبير بن
العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله وأسلم أبواه
وولداه وولد ولده من الصحابة فجاء بالخمسة الذين أسلموا بدعائه إلى رسول الله
فأسلموا وصلوا
وقد
ذهب جماعة إلى أنه أول من أسلم قال الشعبي : سألت ابن عباس من أول من أسلم ؟ قال :
أبو بكر أما سمعت حسان يقول :
إذا
تذكرت شجوا من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر
بما فعلا
خير
البرية أتقاها وأعدلها ... بعد النبي وأوفاها
بما حملا
والثاني
التالي المحمود مشهده ... وأول الناس قدما صدق
الرسلا
وكان
أعلم العرب بأنساب قريش وما كان فيها من خير وشر . وكان تاجرا ذو ثروة طائلة حسن
المجالسة عالما بتعبير الرؤيا وقد حرم الخمر على نفسه في الجاهلية هو وعثمان بن
عفان . ولما أسلم جعل يدعو الناس إلى الإسلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (
ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة ونظر وتردد إلا ما كان من أبي بكر
رضي الله عنه ما علم عنه حين ذكرته له ) أي أنه بادر إليه . ونزل فيه وفي عمر {
وشاورهم في الأمر } آل عمران 159 فكان أبو بكر بمنزلة الوزير من رسول الله صلى
الله عليه وسلم فكان يشاوره في أموره كلها
وقد
أصاب أبا بكر من إيذاء قريش شئ كثير . فمن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما دخل دار الأرقم ليعبد الله ومن معه من أصحابه سرا ألح أبو بكر رضي الله عنه في
الظهور فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر إنا قليل . فلم يزل به حتى خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة رضي الله عنهم وقام أبو بكر في
الناس خطيبا ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ودعا إلى رسول الله فهو أول خطيب
دعا إلى الله تعالى فثار المشركون على أبي بكر رضي الله عنه وعلى المسلمين
يضربونهم فضربوهم ضربا شديدا . ووطئ أبو بكر بالأرجل وضرب ضربا شديدا . وصار عتبة
بن ربيعة يضرب أبا بكر بنعلين مخصوفتين ويحرفهما إلى وجهه حتى صار لا يعرف أنفه من
وجهه فجاءت بنو تيم يتعادون فأجلت المشركين عن أبي بكر إلى أن أدخلوه منزله ولا
يشكون في موته ثم رجعوا فدخلوا المسجد فقالوا : والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة
ثم رجعوا إلى أبي بكر وصار والده أبو قحافة وبنو تيم يكلمونه فلا يجيب حتى آخر
النهار ثم تكلم وقال : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فعذلوه فصار يكرر
ذلك فقالت أمه : والله ما لي علم بصاحبك . فقال اذهبي إلى أم جميل فاسأليها عنه
وخرجت إليها وسألتها عن محمد بن عبد الله فقالت : لا أعرف محمدا ولا أبا بكر ثم
قالت : تريدين أن أخرج معك ؟ قالت : نعم . فخرجت معها إلى أن جاءت أبا بكر فوجدته
صريعا فصاحت وقالت : إن قوما نالوا هذا منك لأهل فسق وإني لأرجو أن ينتقم الله
منهم فقال لها أبو بكر رضي الله عنه : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فقالت : هذه أمك قال فلا عين عليك منها أي أنها لا تفشي سرك . قالت : سالم هو في
دار الأرقم . فقال : والله لا أذوق طعاما ولا أشرب شرابا أو آتي رسول الله صلى
الله عليه وسلم . قالت أمه فأمهلناه حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس خرجنا به يتكئ
علي حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق له رقة شديدة وأكب عليه يقبله
وأكب عليه المسلمون كذلك فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما بي من بأس إلا ما نال
الناس من وجهي وهذه أمي برة بولدها فعسى الله أن يستنقذها من النار فدعا لها رسول
الله صلى الله عليه وسلم ودعاها إلى الإسلام فأسلمت ( 2
)
ولما
اشتد أذى كفار قريش لم يهاجر أبو بكر إلى الحبشة مع المسلمين بل بقي مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم تاركا عياله وأولاده وأقام معه في الغار ثلاثة أيام قال الله
تعالى { ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا } .
التوبة 41
ولما
كانت الهجرة جاء رسول الله صلى الله عليه إلى أبي بكر وهو نائم فأيقظه فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : قد أذن لي في الخروج قالت عائشة : فلقد رأيت أبا بكر
يبكي من الفرح ثم خرجا حتى دخلا الغار فأقاما فيه ثلاثة أيام ( 3 ) . وأن رسول
الله لولا ثقته التامة بأبي بكر لما صاحبه في هجرته فاستخلصه لنفسه . وكل من سوى
أبي بكر فارق رسول الله وإن الله تعالى سماه ( ثاني اثنين
)
قال
رسول صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت : هل قلت في أبي بكر شيئا ؟ فقال : نعم .
فقال : قل وأنا أسمع . فقال :
وثاني
اثنين في الغار المنيف وقد ... طاف العدو به إذ
صعد الجبلا
وكان
حب رسول الله قد علموا ... من البرية لم يعدل
به رجلا
فضحك
رسول الله حتى بدت نواجذه ثم قال : صدقت يا حسان هو كما قلت
وكان
النبي صلى الله عليه وسلم يكرمه ويجله ويثني عليه في وجهه واستخلفه في الصلاة وشهد
مع رسول الله بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان بالحديبية وخيبر وفتح مكة وحنينا
والطائف وتبوك وحجة الوداع . ودفع رسول الله رايته العظمى يوم تبوك إلى أبي بكر
وكانت سوداء وكان فيمن ثبت معه يوم أحدا وحين ولى الناس يوم حنين . وهو من كبار
الصحابة الذين حفظوا القرآن كله . ودفع أبو بكر عقبة بن معيط عن رسول الله لما خنق
رسول الله وهو يصلي عند الكعبة خنقا شديدا . وقال { أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله
وقد جاءكم بالبينات من ربكم } . المؤمن 28
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ) .
رواه البخاري ومسلم
وأعتق
أبو بكر سبعة ممن كانوا يعذبون في الله وهم : بلال وعامر بن فهيرة وزنيرة والنهدية
وابنتها وجارية بني مؤمل وأم عبيس . وكان أبو بكر إذا مدح قال : ( اللهم أنت أعلم
بي من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم . اللهم اجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا
يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون
)
قال
عمر رضي الله عنه : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مالا
عندي . فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته فجئت بنصف مالي . فقال : ما أبقيت لأهلك
؟ قلت مثله . وجاء أبو بكر بكل ما عنده . فقال : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ قال
: أبقيت لهم الله ورسوله . قلت : لا أسبقه إلى شئ أبدا
روي
لأبي بكر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 142 حديثا اتفق البخاري
ومسلم منها على ستة وانفرد البخاري بأحد عشر ومسلم بحديث واحد . وسبب قلة رواياته
مع تقدم صحبته وملازمته النبي صلى الله عليه وسلم أنه تقدمت وفاته قبل انتشار
الأحاديث واعتناء التابعين بسماعها وتحصيلها وحفظها
_________
( 1 ) الأشناق
: الديات ج شنق
( 2 ) راجع
السيرة الحلبية
( 3 ) راجع
" الهجرة إلى المدينة " في كتاب محمد رسول الله للمؤلف صفحة 154
بعض الأحاديث المصرحة بفضل أبي بكر :
-
عن عمرو بن العاص : أن النبي عليه السلام بعثه على جيش ذات السلاسل قال : فأتيته
فقلت : أي الناس أحب إليك ؟ فقال : عائشة . فقلت : من الرجال ؟ فقال : أبوها .
فقلت ثم من ؟ قال : عمر بن الخطاب . فعد رجالا . رواه البخاري ومسلم
وعن
ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر
الله إليه يوم القيامة ) فقال أبو بكر : إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك
منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنك لست تصنع ذلك خيلاء ) رواه البخاري
وعن
أبي هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال
أبو بكر : أنا . قال : فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر : أنا . قال : فمن
أطعم منكم اليوم مسكينا ؟ قال أبو بكر : أنا . قال : فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟
قال أبو بكر : أنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعن في امرئ إلا
ودخل الجنة ) رواه مسلم
وهن
أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر
وعثمان وعلي وطلحة والزبير . فتحركت الصخرة فقال النبي عليه السلام : ( اهدأ فما
عليك إلا نبي وصديق وشهيد ) رواه مسلم
وعن
حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر
وعمر ) رواه الترمذي
وعن
ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر ( أنت صاحبي على الحوض
وصاحبي في الغار ) رواه الترمذي وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله عليه وسلم ( ما
نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر ) فبكى أبو بكر وقال : وهل أنا ومالي إلا
لك يا رسول الله
ومن
فضائله رضي الله عنه :
أن
عمر بن الخطاب كان يتعاهد عجوزا كبيرة عمياء في بعض حواشي المدينة من الليل فيستقي
لها ويقوم بأمرها . فكان إذا جاء وجد غيره قد سبقه إليها فأصلح ما أرادت . فجاءها
غير مرة كيلا يسبق إليها فرصده عمر فإذا الذي يأتيها هو أبو بكر الصديق وهو خليفة
. فقال عمر : أنت هو لعمري
وهو
أول خليفة في الإسلام وأول أمير أرسل على الحج حج بالناس سنة تسع هجرية وأول من
جمع القرآن وأول من سمى مصحف القرآن مصحفا وكان يفتي الناس في زمان رسول الله صلى
الله عليه وسلم أبو بكر وعمر
توفي
أبو بكر يوم الاثنين 22 جمادى الآخرة سنة 13ه - 23 أب - أغسطس سنة 634 وتوفي أبوه بعده
بنحو ستة أشهر وله 63 سنة كرسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب
صفته رضي الله عنه
-
كان أبو بكر رجلا أبيض خفيف العارضين لا يتمسك إزاره معروق الوجهة ناتئ الجبهة
عاري الأشاجع ( 1 ) أقنى ( 2 ) غائر العينين حمش الساقين ( 3 ) ممحوص الفخذين ( 4
) يخضب بالحناء والكتم ( 5 )
_________
( 1 ) الأشاجع
هي أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف . وقيل هي عروق ظاهر الكف
( 2 ) أي
ارتفع أنفه واحدودب وسطه وسبغ طرفه وقيل نتأ وسط قصبته وضاق منخراه فهو أقنى
( 3 ) دقيقهما
( 4 ) أي
خلص من الاسترخاء
( 5 ) الكتم
من نبات الجبال ورقه كورق الآس يخضب به مدقوقا وله ثمر كقدر الفلفل ويسود إذا نضج
زوجاته وأولاده
-
تزوج أبو بكر في الجاهلية ( قتيلة بنت سعد ) فولدت له عبد الله وأسماء . أما عبد
الله فإنه شهد يوم الطائف مع النبي صلى الله عليه وسلم وبقي إلى خلافة أبيه ومات
في خلافته وترك سبعة دنانير فاستكثرها أبو بكر . وولد لعبد الله اسماعيل فمات ولا
عقب له . وأما أسماء فهي ذات النطاقين و هي التي قطعت قطعة من نطاقها فربطت به على
فم السفرة في الجراب التي صنعت لرسول الله وأبي بكر عند قيامها بالهجرة وبذلك سميت
( ذات النطاقين ) وهي أسن من عائشة . وكانت أسماء أشجع نساء الإسلام وأثبتهن جأشا
وأعظمهن تربية للولد على الشهامة وعزة النفس تزوجها الزبير بمكة فولدت له عدة
أولاد ثم طلقها فكانت مع ابنها عبد الله بن الزبير حتى قتل بمكة وعاشت مائة سنة
حتى عميت وماتت
وتزوج
أبو بكر أيضا في الجاهلية ( أم رومان ) فولدت له عبد الرحمن وعائشة زوجة رسول الله
توفيت في حياة رسول الله في سنة ست من الهجرة فنزل رسول الله قبرها واستغفر لها
وكانت حية وقت حديث الإفك وحديث الإفك في سنة ست فن شعبان فعبد الرحمن شقيق عائشة
شهد بدرا وأحدا مع الكفار ودعا إلى البراز فقام إليه أبو بكر ليبارزه فقال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم ( متعنا بنفسك ) وكان شجاعا راميا أسلم في هدنة الحديبية
وحسن إسلامه شهد اليمامة مع خالد بن الوليد فقتل وهو من أكابرهم وهو الذي قتل محكم
اليمامة بن الطفيل الذي كان من قواد بني حنيفة المشهورين رماه بسهم في نحره فقتله
كما سيأتي ذكر ذلك في موقعة اليمامة . وكان عبد الرحمن أسن ولد أبي بكر وكان فيه
دعابة . توفي فجأة بمكان اسمه حبش على نحو عشرة أميال من مكة وحمل إلى مكة ودفن
فيها وكان موته سنة 53 هجرية
وتزوج
أبو بكر في الإسلام ( أسماء بنت عميس ) وكانت قبله عند جعفر بن أبي طالب . فلما
قتل جعفر تزوجها أبو بكر الصديق فولدت له محمد بن أبي بكر ثم مات عنها فتزوجها علي
بن أبي طالب رضي الله عنه مصر فقاتله صاحب معاوية وظفر به فقتله وولد له القاسم
وتزوج
أيضا في الإسلام ( حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير الخزرجي ) فولدت له جارية
سمتها عائشة أم كلثوم . تزوجها طلحة بن عبيد الله فولدت له زكريا وعائشة ثم قتل
عنها فتزوجها عبد الرحمن بن عبيد الله بن أبي ربيعة المخزومي
قال
الأستاذ واشنجتون إيرفنج في كتاب ( محمد وخلفاؤه
) :
كان
أبو بكر رجلا عاقلا سديد الرأي وقد كان في بعض الأحيان شديد الحذر والحيطة في
إدارته لكنه كان شريف الأغراض غير محب للذات ساعيا للخير لا لمصلحته الذاتية فلم
يبتغ من وراء حكمه مطامع دنيوية بل كان لا يهمه الغنى زاهدا في الفخر راغبا عن
اللذات ولم يقبل أجرا على خدماته غير مبلغ زهيد يكفي لمعاش رجل عربي عادي ما كان
يرد إليه في يوم الجمعة إلى المحتاجين والفقراء ويساعد المعوزين بماله الخاص
حديث السقيفة وبيعة أبي بكر الصديق
-
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين 12 ربيع الأول من السنة الحادية
عشرة من الهجرة ( 9 حزيران يونيه سنة 632 م ) فهب الأنصار يطالبون بالخلافة قبل أن
يدفن رسول الله مع أم المهاجرين لم يكونوا قد فكروا في الخلافة بل كان كبار
الصحابة مشغولين بتجهيز رسول الله ودفنه وطمع سعد بن أبي عبادة في أن يكون خليفة
ويكنى أبا ثابت وكان نقيب بني سعادة والسيد المطاع في الخزرج
اجتمع
الأنصار في سقيفة بني ساعدة ( 1 ) وجاؤوا بسعد بن أبي عبادة وهو مريض بالحمى
ليبايعوه وطلبوا إليه أن يخطب . فقال لابنه أو بعض بني عمه : إني لا أقدر لشكواي
أن أسمع القوم كلهم كلامي ولكن تلق مني قولي فأسمعهم فكان يتكلم ويحفظ الرجل قوله
فيرفع صوته فيسمع أصحابه
_________
( 1 ) سقيفة
بني ساعدة بالمدينة وهي ظلة كانوا يجلسون تحتها . أما بنو ساعدة الذين أضيفت إليهم
السقيفة فهم حي من الأنصار وهم بنو ساعدة بن كعب بن الخزرج وكانت دار سعد مما يلي
سوق المدينة وعندها السقيفة
خطبة سعد بن عبادة
-
قال سعد بعد أن حمد الله وأثنى عليه
:
( يا
معشر الأنصار لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب . إن
محمدا عليه السلام لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد
والأوثان فما آمن به من قومه إلا رجال قليل ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول
الله ولا أن يعزوا دينه ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيما عموا به حتى إذا أراد بكم
الفضيلة ساق إليكم الكرامة وخصكم بالنعمة فرزقكم الإيمان به وبرسوله والمنع له
ولأصحابه والإعزاز له ولدينه والجهاد لأعدائه فكنتم أشد الناس على عدوه حتى
استقامة العرب لأمر الله طوعا وكرها وأعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا حتى أثخن
الله عز وجل لرسوله بكم الأرض ودانت بأسيافكم له العرب وتوفاه الله وهو عنكم راض
وبكم قرير عين استبدوا بالأمر دون الناس فإنه لكم دون الناس ( 1 ) )
هذه
خطبة سعد بن عبادة . فقد كان يرى أن المهاجرين استبدوا بالأمر وأن الأنصار أحق
بالولاية للأسباب التي ذكرها مع أن المهاجرين لم يكونوا قد اجتمعوا ولم يتشاوروا
في أمر الخلافة ولم يقرروا شيئا . ولا شك في أن هذه الخطبة حازت استحسان الأنصار
ولا سيما الخزرج فأجابوا بأجمعهم أن قد وفقت في الرأي وأصبت في القول ولن نعدو ما
رأيت نوليك هذا الأمر فإنك فينا مقنع ولصالح المؤمنين رضا
وطبيعي
أن يحتج المهاجرون على هذا الكلام . فقالوا : نحن المهاجرون وأصحاب رسول الله
الأولون وعشيرته وأولياؤه . فقال الأنصار : ( منا أمير ومنكم أمير ) ولن نرضى بدون
هذا أبدا . فقال سعد : ( هذا أول الوهن
)
بلغ
عمر بن الخطاب ما كان من خطبة سعد وما وقع من خلاف بين الأنصار الذين أثاروا هذا
الموضوع وبين المهاجرين فجاء إلى منزل رسول الله وأرسل إلى أبي بكر أن أخرج إلي
فأرسل إليه أني مشتغل فأرسل إليه أنه قد حدث أمر لا بد لك من حضوره . فخرج فأعلمه
الخبر فمضيا مسرعين إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة بن الجراح وأراد عمر رضي الله
عنه أن يبدأ بالكلام فأسكته أبو بكر قائلا : ( رويدا حتى أتكلم ) ثم تكلم بكل ما
أراد أن يقول عمر
_________
( 1 ) تاريخ
الطبري الجزء الثالث
خطبة أبي بكر الصديق
-
بدأ أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
:
( إن
الله بعث محمدا رسولا إلى خلقه وشهيدا على أمته ليعبدوا الله ويوحدوه وهم يعبدون
من دونه آلهة شتى ويزعمون أنها لهم عنده شافعة ولهم نافعة وإنما هي من حجر منحوت
وخشب منجور . ثم قرأ : { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون
هؤلاء شفعاؤنا عند الله } يونس 18 { وقالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى
} الزمر 3 . فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم فخص الله المهاجرين الأولين من
قومه بتصديقه والإيمان به والمواساة له والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم وتكذيبهم
إياهم وكل الناس لهم مخالف . زار عليهم فلم يستوحشوا لقلة عددهم وشنف الناس لهم (
1 ) وإجماع قومهم عليهم فهم أول من عبد الله في الأرض وآمن بالله والرسول وهم
أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من عبده ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم أنتم يا
معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدين ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام . رضيكم
الله أنصارا لدينه ولرسوله وجعل إليكم هجرته وفيكم جلة أزواجه وأصحابه فليس بعد
المهاجرين الأولين عندنا بمنزلتكم فنحن الأمراء وأنتم الوزراء لا تفتانون بمشورة
ولا تقضى دونكم الأمور
_________
( 1 ) بغض
الناس لهم
خطبة الحباب بن المنذر
-
فقام الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري الخزرجي السلمي ويكنى أبا عمر وكان يقال
له ذو الرأي . فقال :
( يا
معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم ولن يجتري مجترئ على
خلافكم ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم أنتم أهل العز والثروة وأولو العدة والمنعة
والتجربة ذوو البأس والنجدة وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون ولا تختلفوا فيفسد
رأيكم وينتقض عليكم أمركم أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير )
ورد
عمر بن الخطاب على الحباب فقال
:
( هيهات
لا يجتمع اثنان في قرن ( 1 ) والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم ولكن
العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمرهم فيهم ولنا بذلك على
من أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته
ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف لإثم ( 2 ) أو متورط في هلكة ) .
فقام الحباب بن المنذر فقال :
( يا
معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من
هذا الأمر فإن أبوا علكم ما سألتموه فأجلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم هذه
الأمور فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممن
لم يكن يدين أنا جذيلها ( 3 ) المحكك وعذيقها المرجب أما والله لو شئتم لنعيدنها
جذعة )
لقد
لج الحباب في الخصومة واستعمل في خطبته ألفاظا شديدة وحرض الأنصار على إجلاء
المهاجرين من المدينة إذا لم يولوهم الخلافة وتوعدهم بالشر لذلك قال له عمر محتدا
إذن يقتلك الله . قال : بل إياك يقتلك
قال
أبو عبيدة : ) يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من غير وبدل )
وعندئذ
قام بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس الخزرجي الأنصاري ويكنى أبا النعمان فقال :
( يا
معشر الأنصار إنا والله كنا أولى فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين ما
أردنا به إلا رضا ربنا وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا . فما ينبغي لنا أن نستطيل على
الناس بذلك ألا إن محمدا صلى الله عليه وسلم من قريش وقومه به أحق وأولى وايم الله
لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدا فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم )
فأراد
أبو بكر بحكمته أن يضع حدا لهذا الخلاف خشية استحكامه فرشح للخلافة اثنين من
المهاجرين قائلا : ( هذا عمر وهذا أبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا )
فقالا
: ( لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك فإنك أفضل المهاجرين وثاني إثنين إذ هما في
الغار وخليفة رسول الله على الصلاة والصلاة أفضل دين المسلمين فمن ذا ينبغي له أن
يتقدمك أو يتولى هذا الأمر عليك أبسط يدك نبايعك ) . فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما
إليه بشير بن سعد فبايعه فهو على ذلك أول من بايع أبا بكر الصديق
ولما
رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن
عبادة قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير ( الذي كان رئيس الأوس يوم بعاث ومن أحسن
الناس صوتا بالقرآن وكان أحد المشهود لهم بالعقل وأحد النقباء ) :
والله
لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم بذلك الفضيلة ولا جعلوا لكم معهم فيها
نصيبا أبدا فقاموا إليه فبايعوه فأنكر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا
أجمعواه له من أمرهم
ولم
يلق الرأي الذي قاله الأنصار ( منا أمير ومنكم أمير ) قبولا حتى سعد نفسه فإنه لما
سمع به قال : ( هذا أول الوهن ) لأن انقسام القوة موهن لها و كذا رفضه عمر حيث قال
: ( هيهات لا يجتمع اثنان في قرن ) وأسرع عمر في مبايعة أبي بكر علما منه بمكانته
واعترافا بفضله
أقبل
الناس يبايعون أبا بكر من كل جانب وأقبلت أسلم بجماعاتها حتى تضايقت بهم السكك
فبايعوا فكان عمر يقول : ( ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر ) وكاد الناس من
شدة الزحام يطأون سعد بن عبادة الذي كان يومئذ مريضا ولا يستطيع النهوض وحدثت بينه
وبين عمر مشادة وأخيرا حمل سعد وأدخل في داره وترك أياما ثم بعث إليه أن أقبل
فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك فقال
:
( أما
والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبل وأخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته
يدي وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي فلا أفعل . وايم الله لو أن الجن
اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي )
هذا
ما أجاب به سعد من دعوه إلى مبايعة أبي بكر بعد أن علم أن البيعة قد تمت ولكن ماذا
يفيد امتناعه عن البيعة وليس له أنصار ولا أغلبية لقد طمع في الخلافة وظن أن قومه
سيقاومون ويتمسكون به إلى آخر رمق من حياتهم . إنه توعد وهدد بمفرده لذلك لم يكترث
به أحد فتركوه وشأنه
فلما
علم أبو بكر بما قال سعد قال له عمر : لا تدعه حتى يبايع . فقال له بشير بن سعد :
إنه قد لج وأبى وليس بمبايعتكم حتى يقتل وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته
وطائفة من عشيرته فاتركوه فليس تركه بضاركم إنما هو رجل واحد . فتركوه عملا برأي
بشير
_________
( 1 ) القرن
: الجبل ولا يقال للجبل قرن حتى يقرن فيه بعيران
( 2 ) متجانف
لإثم : أي مائل متعمد
( 3 ) الجذل
: أصل الشجرة وعود ينصب لتحتك به الجربى من الإبل فتستشفى به والعذق : النخلة
بحملها وقول الحباب : " أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب " مثل يضرب
لمن يستشفى برأيه ويعتمد عليه أي قد جربتني الأمور ولي رأي وعلم يستشفى بهما كما
تستشفى هذه الإبل بهذه الجذل . وصغره على جهة المدح وصغر الغذق على جهة المدح أو
التعظيم . والترجيب : أن تدعم الشجرة إذا كثر حملها لئلا تتكسر أغصانها . وقيل
ترجيبها هو أن يوضع الشوك حوالي الأعذاق لئلا يصل إليها فلا تسرق . وقد أراد
بالترجيب التعظيم
تخلف علي رضي الله عنه عن البيعة
-
قال الزهري : ( بقي علي وبنو هاشم والزبير ستة أشهر لم يبايعوا أبا بكر حتى ماتت
فاطمة رضي الله عنها فبايعوه ( 1 ) ) وكانت فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها
من رسول الله مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك ( 2 ) وما بقي من خمس خيبر فأبى
أبو بكر أن يدفع إليها شيئا لأن رسول الله قال : ( لا نورث ما تركناه صدقة ) فوجدت
فاطمة على أبي بكر الصديق في ذلك ولم تكلمه حتى توفيت
وقد
كان علي رضي الله عنه يرى أنه أحق بالخلافة من أبي بكر لقرابته من رسول الله لذلك
فقد تخلف عن البيعة ( 3 ) مع أن رسول الله لما مرض وتعذر عليه الخروج إلى الصلاة .
قال مروا أبا بكر فليصل بالناس . فقالت له عائشة : يا رسول الله إن أبا بكر رجل
رقيق إذا قام مقامك لا يسمع الناس من البكاء قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس .
فعاودته مثل مقولتها . فقال : إنكن صواحبات يوسف . مروا أبا بكر فليصل بالناس .
وفي تقديمه أبا بكر إلى الصلاة إشارة إلى أنه الخليفة بعده قال الزبير : لا أغمد
سيفا حتى يبايع علي . فقال عمر : خذوا سيفه واضربوا به الحجر . ثم أتاهم عمر
فأخذهم للبيعة . وقيل لما سمع علي ببيعة أبي بكر خرج في قميصه ما عليه إزار ولا
رداء عجلا حتى يبايعه ثم استدعى إزاره ورداءه فتجلله . قال ابن الأثير : والصحيح
أن أمير المؤمنين ما بايع إلا بعد ستة أشهر
وممن
تخلف عن بيعة أبي بكر عتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد والمقداد بن عمرو وسلمان
الفارسي وأبو ذر وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب ومالوا مع علي وتخلف
أيضا أبو سفيان من بني أمية
_________
( 1 ) أصح
الأقوال أن فاطمة توفيت بعد رسول الله بستة أشهر
( 2 ) قرية
بخيبر
( 3 ) وفي
أسد الغابة رواية عن يحيى بن عروة المرادي قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول قبض
النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أرى أني أحق بهذا الأمر . فاجتمع المسلمون على أبي
بكر فسمعت وأطعت . ثم إن أبا بكر أصيب فظننت أنه لا يعدلها عني . فجعلها في عمر
فسمعت وأطعت . ثم إن عمر أصيب فظننت أنه لا يعدلها عني فجعلها في ستة أنا أحدهم
فولوها عثمان فسمعت وأطعت . ثم إن عثمان قتل فجاءوا فبايعوني طائعين غير مكرهين . الخ
أفضل الناس بعد رسول الله
- أفضل
الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أبو بكر ) رضي الله عنه . وقالت الشيعة
وكثير من المعتزلة هو ( علي ) وهؤلاء جوزوا إمامة المفضول مع وجود الفاضل . وحجتهم
أن قيام علي بالجهاد كان أكثر من قيام أبي بكر فوجب أن يكون علي أفضل منه لقوله
تعالى : { وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما
}
وأجاب
أهل السنة عنه بأن الجهاد على قسمين : جهاد بالدعوة إلى الدين وجهاد بالسيف .
ومعلوم أن أبا بكر رضي الله عنه جاهد في الدين في أول الإسلام بدعوة الناس إلى
الإسلام . وبدعوته أسلم عثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وأبو عبيدة بن الجراح رضي
الله عنهم أجمعين . وعلي رضي الله عنه إنما جاهد بالسيف عند قوة الإسلام فكان
الأول أولى وحجة القائلين بفضل أبي بكر رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم : (
ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر ( 1 ) )
_________
( 1 ) راجع
كتاب معالم أصول الدين لفخر الدين محمد بن عمر الرازي - الباب العاشر في الإمامة -
المسألة السابعة
تجهيز رسول الله ودفنه
-
بعد أن بويع أبو بكر جهز رسول الله ودفن ليلة الأربعاء وقد غسل في قميصه وغسله
العباس والفضل وقثم ابنا العباس وأسامة بن زيد وشقران مولى رسول الله وحضرهم أوس
بن خولى الأنصاري من بئر يقال لها الغرس لسعد بن خثيمة بقباء وكان العباس وابناه
يقلبونه وأسامة وشقران يصبان الماء وعلي يغسله وعليه قميصه وهو يقول ( بأبي أنت
وأمي ما أطيبك حيا وميتا ) . وكفن في ثلاثة أثواب يمانية ( 1 ) بيض من كرسف ( قطن
) ليس في كفنه قميص ولا عمامة ولا عروة
وبعد
أن غسل رسول الله وكفن وضع على سرير وأدخل عليه المسلمون أفواجا يقومون ويصلون
عليه ثم يخرجون ويدخل آخرون ولم يؤمهم في الصلاة عليه إمام حتى إذا فرغت الرجال
دخلت النساء ثم دخل الصبيان
وكان
أول من دخل أبو بكر وعمر . فقالا : ( السلام عليك أيها النبي . . ورحمة الله
وبركاته ) ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار قدر ما يسع البيت فسلموا كما سلم أبو
بكر وعمر وصفوا صفوفا لا يؤمهم عليه أحد فقال أبو بكر وعمر وهما في الصف الأول
حيال رسول الله :
( اللهم
إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزل عليه ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه
وتمت كلماته فآمن به وحده لا شريك له . فاجعلنا يا إلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل
معه واجمع بيننا وبينه حتى يعرفنا ونعرفه فإنه كان بالمؤمنين رؤوفا رحيما . لا
نبتغي بالإيمان بديلا ولا نشتري به ثمنا أبدا
)
فيقول
الناس آمين آمين ثم يخرجون ويدخل غيرهم . ولما فرغوا نادى عمر حلوا الجنازة وأهلها
ولما
اختلفوا في موضع دفنه قال أبو بكر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (
ما مات نبي قط إلا يدفن حيث تقبض روحه ) قال علي : وأنا أيضا سمعته فرفع فراشه
ودفن . ولما أرادوا أن يحفروا لرسول الله كان بالمدينة رجلان أبو عبيدة بن الجراح
يضرح لأهل مكة وكان أبو طلحة الأنصاري هو الذي يلحد لأهل المدينة . فجاء أبو طلحة
وألحد لرسول الله وجعل في قبره قطيفة حمراء كان يلبسها فبسطت تحته وكانت الأرض
ندية ورش قبره صلى الله عليه وسلم بلال بتربة بدا من قبل رأسه وجعل عليه من حصباء
العرصة ( 2 ) حمرا وبيضا ورفع قبره عن الأرض قدر شبر ونزل قبره علي والفضل وقثم
ابنا العباس وشقران وأوس بن خولى الأنصاري
_________
( 1 ) وقيل
: في ثلاثة أثواب سحولية . وسحول - مثل رسول - بلدة باليمن يجلب منها الثياب
( 2 ) عرصة
الدار : ساحتها وهي البقعة الواسعة التي ليس فيها بناء والجمع عراص وعرصات
خطبة أبي بكر بعد البيعة
-
بعد أن تمت بيعة أبي بكر بيعة عامة صعد المنبر وقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه :
( أيها
الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني الصدق أمانة
والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه والقوي عندي ضعيف حتى آخذ منه
الحق إن شاء الله تعالى لا يدع أحد منكم الجهاد فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله
بالذل أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا
إلى صلاتكم رحمكم الله ( 1 ) )
فيا
لها من كلمات جامعة حوت الصراحة والعدل مع التواضع والفضل والحث على الجهاد لنصرة
الدين وإعلاء شأن المسلمين
_________
( 1 ) الجزء
الثاني من تاريخ الكامل لابن الأثير
إرسال جيش أسامة بن زيد ( 1 )
-
يوم الأربعاء 14 ربيع الأول سنة 11ه ( 11 حزيران - يونيه 6م
)
كان
رسول الله قد استعمل أسامة بن زيد وأمره بالتوجه إلى حدود الشام للأخذ بثأر من قتل
في غزوة مؤتة وقد كان رسول الله قد ضرب البعث على أهل المدينة ومن حولها وفيهم عمر
بن الخطاب وعسكر جيش أسامة بالجرف ( 2 ) فاشتكى رسول الله ثم وجد من نفسه راحة
فخرج رسول الله عاصبا رأسه فقال
:
( أيها
الناس أنفذوا جيش أسامة ) ثلاث مرات . وقال : ( إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم
تطعنون في إمارة أبيه من قبله وايم الله إنه كان خليقا للإمارة وايم الله إنه لمن
أحب الناس إلي من بعده )
وذلك
لأن الناس طعنوا في إمارة أسامة لأنه كان شابا لم يتم العشرين من عمره
توفي
رسول الله ولم يسر الجيش وارتد كثير من العرب ونجم النفاق واشرأبت أعناق اليهود
والنصارى وبققي المسلمون لا يدرون ماذا يصنعون لوفاة نبيهم وقلة عددهم وكثرة عدوهم
. فقال الناس لأبي بكر : إن جيش أسامة جند المسلمين والعرب قد انتقضت بك فلا ينبغي
أن تفرق عنك جماعة المسلمين
فماذا
يصنع أبو بكر ؟ إنهم يعترضون على إمارة أسامة لصغر سنه ويعترضون على إرسال جيش
المسلمين لارتداد العرب وقلة عدد المسلمين وخزفهم على مركزهم بالمدينة . غير أن
رسول الله كان يشدد في إرسال جيش أسامة وقد أخذ أبو بكر عهدا على نفسه بأن لا يعصي
الله ورسوله . فهل يخالف أمر رسول الله ؟ كلا فإن ذلك ليس من طبيعته ولا من خلقه
وإنما خلقه الثبات إلى آخر لحظة وتنفيذ أوامر رسول الله بكل دقة في كل كبيرة
وصغيرة مهما كلفه ذلك لقوة إيمانه وثبات يقينه وعملا بواجب الصداقة . لهذا كانت
إجابته للمعترضين في غاية القوة حيث قال
:
( و
الذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته
)
وقال
لعمر لما أرسله أسامة يستأذنه في الرجوع وطلب إليه الأنصار إن أبى أن يولي عليه من
هو أقدم سنا من أسامة :
( لو
خطفتني الكلاب والذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم )
فقال
عمر : إن الأنصار أمروني أن أبلغك وأنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلا أقدم سنا
من أسامة . فوثب أبو بكر وكان جالسا يأخذ بلحية عمر فقال له
:
( ثكلتك
أمك وعدمتك يا ابن الخطاب استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه )
فخرج
عمر إلى الناس بعد أم سمع ورأى من أبي بكر ما رأى . فقالوا له : ما صنعت ؟ فقال :
امضوا ثكلتكم أمهاتكم ما لقيت في سببكم من خليفة رسول الله
وإجابة
أبي بكر بهذه القوة تذكرنا بما قاله رسول الله لعمه أبي طالب حين ظن أنه قد خذله
وضعف عن نصرته : ( يا عماه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك
هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه فيه ما تركته
)
خرج
أبو بكر حتى أتى الجيش وأشخصهم وشيعهم وهو ماش وأسامة راكب وعبد الرحمن بن عوف
يقود دابة أبي بكر فقال له أسامة : يا خليفة رسول الله والله لتركبن أو لأنزلن .
فقال ( و الله لا تنزل ووالله لا أركب وما علي أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة .
فإن للغازي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة تكتب له وسبعمائة درجة ترفع له وترفع عنه
سبعمائة خطيئة ) حتى إذا انتهى قال إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل ومعنى ذلك أنه
يستأذن أسامة - قائد الجيش - أن يترك له عمر لأنه كان في الجيش فأذن له ( 3 ) وكان
إرسال الجيش بعد بيعة أبي بكر بيوم أعني يوم الأربعاء 14 من ربيع الأول
_________
( 1 ) هو
أسامة بن زيد بن حارثة أمه أم أيمن وكان أسود أفطس . أردفه رسول الله خلفه يوم
الفتح على راحلته القصواء واستعمله وهو ابن ثماني عشرة سنة . روي له عن رسول الله
128 حديثا وروى عنه ابن عباس وجماعة من كبار التابعين وكانت وفاته بالمدينة وقيل
بوادري القرى وحمل إلى المدينة سنة 54 ه
( 2 ) الجرف
: موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام . انظر خريطة مكة والمدينة من ( كتاب
محمد رسول الله ) للمؤلف
( 3 ) ودع
أبو بكر أسامة من الجرف ورجع . والجرف موضع قريب من المدينة
وصية أبي بكر الجيش
-
أوصى أبو بكر جيش أسامة فقال :
( يا
أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني
:
لا
تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا صغيرا أو شيخا كبيرا ولا
امرأة ولا تعقروا نحلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة
ولا بعيرا إلا لمأكلة وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما
فرغوا أنفسهم له . وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا
أكلتم منها شيئا فاذكروا اسم الله عليها . وتلقون أقواما قد فحصوا أوساط رؤوسهم
وتركوا حولها مثل العصائب فأخفقوهم بالسيف خفقا . اندفعوا باسم الله )
وقال
لأسامة ( إصنع ما أمرك به نبي الله صلى الله عليه وسلم . ابدأ ببلاد قضاعة ثم ائت
آبل ( 1 ) ولا تقصرن من شئ من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تعجلن لما
خلفت عن عهده )
فسار
أسامة وأوقع بقبائل من قضاعة التي ارتدت وغنم وعاد وكانت غيبته أربعين يوما سوى
مقامه ومنقلبه راجعا من غير أن يفقد أحدا من رجاله
وكان
إنفاذ جيش أسامة أعظم الأمور نفعا للمسلمين فإن العرب قالوا لو لم يكن بالمسلمين
قوة لما أرسلوا هذا الجيش فكفوا عن كثير مما كانوا يريدون أن يفعلوه
ولم
نعثر في المراجع التاريخية عن عدد جيش أسامة ولا على قوة جيش العدو وخسائره ولم
نعلم ما هي الغنائم التي غنمها المسلمون
_________
إمارة
باذان على اليمن ( 1 ) في عهد رسول الله
-
باذان رجل من الفرس بعثه كسرى أبرويز إلى اليمن نائبا عليها فبقي إلى بعثة رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو آخر من قدم من اليمن من ولاة العجم
ولما
كاتب النبي كسرى بما كاتبه مزق كسرى الكتاب وبعث إلى باذان أن أرسل إلى هذا الرجل
الذي بالحجاز رجلين وكتب مهما إلى النبي يأمره بالمسير معهما إلى كسرى فقال لهم
رسول الله : إرجعا وقولا لباذان أسلم فإن أسلم أؤمره على ما تحت يده وأملكه على
قومه . فأتيا إلى باذان وكان كسرى قد مات . فقال باذان : إني لأراه نبيا ولننظرن
فإن كان ما قال حقا فهو فإنه لنبي مرسل وإن لم يكن فنرى فيه رأينا . فلم يلبث أن
قدم عليه كتاب شيرويه بن كسرى بقتل كسرى ويأمره بأخذ الطاعة له باليمن فأسلم باذان
وأسلم معه جماعة منة العجم وبعث بذلك سنة 10 هجرية . فجمع له النبي عمل اليمن
وأمره على جميع مخاليفه فلم يزل عاملا عليها حتى مات
فلما
مات باذان فرق رسول الله أمراءه في اليمن بالكيفية الآتية
:
- 1 - عمرو
بن حزم على نجران
- 2 - خالد
بن سعيد بن العاص على ما بين نجران وزبيد
- 3 - عامر
بن شهر الهمذاني على همدان
- 4 - شهر
بن باذان على صنعاء
- 5 - الطاهر
بن أبي هالة على عك والأشعريين
- 6 - أبو
موسى الأشعري على مأرب
- 7 - يعلى
بن أمية على الجند
- 8 - زياد
بن لبيد الأنصاري على أعمال حضرموت
- 9 - عكاشة
بن ثور على السكاسك والسكون
- 10 - عبد
الله بن قيس أبو موسى الأشعري على بني معاوية بن كندة
وكان
معاذ بن جبل معلما يتنقل في عمالة كل عامل باليمن وحضرموت
_________
( 1 ) صحة
اسمه : باذان بالنون لا باذام كما ذكر خطأ بتاريخ الطبري الجزء الثالث صفحة 213
و214 المطبوع بالمطبعة الحسينية المصرية
ظهور المتنبئين في بلاد العرب
-
ادعى النبوة بعض العرب في الجهات النائية عن المدينة ومكة مثل اليمامة واليمن
توصلا إلى الملك والرياسة والتغلب على القبائل المجاورة لهم فمنهم من حاول محاكاة
القرآن تغريرا بعقول السذج من العرب فجاء كلامه سخيفا مضحكا لا معنى له ومنهم من
لم يقتصر على ذلك بل أتى بالأعاجيب وما هي إلا شعبذة وكهانة وكحر مبين لكنهم
افتضحوا وظهر كذبهم ونفاقهم . و عدا ذلك فإنهم أحلوا المحرمات وارتكبوا الفواحش
فكان مصيرهم الخذلان والفشل . وقد خضعت جميع هذه القبائل إلى الإسلام بفضل حزم أبي
بكر الصديق ومحاربته أهل الردة كما سيأتي ذكر ذلك مفصلا . والآن نبدأ بأخبار
الأسود العنسي الكذاب :
الأسود العنسي النبي الكذاب
-
الأسود العنسي يلقب بذي الخمار لأنه كان معتما متخمرا دائما ( 1 ) واسمه عيهلة بن
كعب بن عوف العنسي وعنس بطن من مذحج ( 2 ) وكان كاهنا مشعبذا يري قومه الأعاجيب
ويجلبهم بحلاوة منطقة . ادعى النبوة حين مرض النبي واتبعه مذحج عامة وكانت ردته
أول ردة في الإسلام على عهد رسول الله . وقد سمى نفسه رحمن اليمن أي أنه يتكلم
باسم الرحمن كما سمى مسيلمة رحمن اليمامة . ويقال كان له شيطان يخبره بكل شيء
فغزا
نجران وكان عليها عمرو بن حزم وخالد بن سعيد فأخرجهما ومعه 700 فارس إلى صنعاء
وعليها شهر بن باذان فخرج إليه شهر فقتله الأسود . كان قواده قيس بن عبد يغوث
المرادي ومعاوية بن قيس الجنبي ويزيد بن محرم ويزيد بن حصين الحارثي ويزيد بن
الأفكل الأزدي . استولى الأسود على صنعاء وغلب على حضرموت إلى أعمال الطائف إلى
البحرين والأحساء إلى عدن وقد استولى على جنوب غربي بلاد الرب في أقل من شهر وأسند
أمر جنده إلى قيس بن عبد يغوث وأسند أمر الأبناء ( 3 ) إلى فيروز وداذويه فلما
أثخنا في الأرض استخف بقيس وبفيروز الديلمي وداذويه
خاف
من بحضرموت من المسلمين أن يحاربهم الأسود أو يظهر كذاب آخر مثله فأتى من باليمن
كتاب من رسول الله يأمرهم بقتال الأسود فقام معاذ يتنقل في القبائل فقويت نفوس
المسلمين . و كان الذي قدم بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم وبر بن يحنس الأزدي
_________
( 1 ) متخمرا
لابسا الخمار الخمار ثوب تغطي به المرأة رأسها
( 2 ) البطن
دون القبيلة
( 3 ) الأبناء
هم من أولاد الفرس الذين سيرهم كسرى أنوشروان مع سيف بن ذي يزن إلى اليمن لقتال
الحبشة فأقاموا باليمن
قتل الأسود العنسي
-
من سخافة عقل الأسود استخفافه بقائد جيشه وبفيروز وداذويه وهم الذين أعانوه على
إخضاع اليمن له في مدة قصيرة . ثم إنه بعد أن قتل شهر بن باذان تزوج امرأته آزاد
وهي ابنة عم فيروز . فلما علم المسلمون تغيره على رئيس جنده دعوه وأنبأوه بكتاب
رسول الله بقتل الأسود ففرح فيروز لذلك النبأ وكلموا آزاد زوجته في قتله وكانت
تبغضه لأنه قتل زوجها ولأنه كان سيء الخلق فاسقا
تمكن
فيروز وداذويه وقيس من دخول القصر بالرغم من وجود الحراس وذلك بواسطة نقب نقبوه
بإشارة من آزاد ثم انقضوا عليه وقتلوه وحزوا رأسه . ولما طلع الفجر نادوا بشعار
المسلمين وهو الأذان . ولما اجتمع المسلمون والكفار ألقوا إليهم الرأس وبذلك خلصت
صنعاء والجند ( 1 ) من هذا الشر المستطير واتفق الناس على تولية معاذ بن جبل فكان
يصلي بالناس وعاد عمال رسول الله إلى أعمالهم وكتبوا إليه صلى الله عليه وسلم
بالخبر فوصل الرسول المدينة صبيحة اليوم الذي توفي فيه رسول الله وكان بين خروج الأسود
ومقتله نحو أربعة أشهر
وقد
جاء في أسد الغابة عند ترجمة باذان أن باذان كان له أثر كبير في قتل الأسود مع أنه
لم يكن له أي أثر في ذلك لأن باذان مات في عهد رسول الله وفرق صلى الله عليه وسلم
أمراءه على اليمن فكان شهر بن باذان علىصنعاء ثم استولى عليها الأسود الذي قتل
غيلة كما تقدم
_________
( 1 ) الجند
بالتحريك : قال أبو سنان اليمامي : ا ليمن فيها 33 منبرا قديما و40 حديثا وأعمال
اليمن في الإسلام مقسومة على ثلاثة ولاة : فوال على الجند ومخاليفها وهو أعظمه .
ووال على صنعاء ومخالفيها وهي أوسطها ووال على حضرموت ومخالفيها وهو أدناها .
والجند مسماة بجند بن شهران بطن من المعافر
قتال أهل الردة
-
لما توفي رسول الله اشتد الأمر على المسلمين لارتداد العرب وخافوا الإغارة على
المدينة بعد أن سير أبو بكر جيش أسامة إذ قد استفحل أمر مسيلمة وطليحة واجتمع على
طليحة عوام طيء وأسد وارتدت غطفان تبعا لعيينة بن حصين فإنه قال لنبي من الحليفين
- يعني أسدا وغطفان - أحب إلينا من نبي من قريش . وقد مات محمد وطليحة حي فاتبعه
وتبعته غطفان وكان عيينة من المؤلفة قلوبهم ومن الأعراب الجفاة
وقدمت
رسل النبي صلى الله عليه وسلم من اليمامة وأسد وغيرهما ودفعوا كتبهم لأبي بكر
وأخبروه الخبر عن مسيلمة وطليحة فعزم أبو بكر على قتالهم واستعد لصد هجمات
المغيرين إلى أن يأتي جيش أسامة والآن نذكر ما كان من أمر طليحة الذي ادعى النبوة
طليحة الأسدي
-
طليحة بن خويلد الأسدي من بني أسد بن خزيمة كان كاهنا فأسلم ثم ارتد وادعى النبوة
في حياة رسول الله وظهر في بني أسد واتبعه أفاريق ( 1 ) من العرب ونزل سميراء ( 2
) بطريق مكة فوجه إليه النبي صلة الله عليه وسلم ضرار بن الأزور عاملا على بني أسد
وأمرهم بالقيام على من ارتد فضعف أمر طليحة حتى لم يبق إلا أخذه فضربه به بسيف فلم
يصنع شيئا فاعتقد الناس أن السلاح لا يؤثر فيه فكثر جمعه ومات النبي صلى الله عليه
وسلم وهم على ذلك . وأكثر من تبعه من أسد وغطفان وطيء وفزارة وغيرهم وفر ضرار ومن
معه إلى المدينة . وكان طليحة يدعي أن جبرائيل كان يأتيه . وكان يسجع للناس
الأكاذيب وكان يأمرهم بترك السجود في الصلاة يقول : إن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم
وتقبيح أدباركم شيئا فاذكروا الله قياما فإن الرغوة فوق الصريح . وأنفذ طليحة
وفوده إلى أبي بكر في الموادعة على الصلاة ( 3 ) وترك الزكاة فأبى أبو بكر ذلك
وكان لطليحة أخ يدعى حبال جعله على فريق من أتباعه . ولما عرض الوفد على أبي بكر
ترك الزكاة قال : ( والله لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه ( 4
) )
_________
( 1 ) في
الحديث : أفاريق العرب وهو جمع أفراق وأفراق جمع فرقة
( 2 ) سميراء
بفتح أوله وكسر ثانيه بالمد وقيل بالضم : ماء بين ثور والحاجز في طريق مكة
( 3 ) الموادعة
: المصالحة
( 4 ) لو
منعوني عقالا : قيل المراد الحبل وإنما ضرب به مثلا لتقليل ما عساهم أن يمنعوه .
وقيل المراد بالعقال نفس الصدقة
الإغارة على المدينة
-
توقع أبو بكر الإغارة على المدينة فجعل بعد سير الوفد على أنقاب المدينة عليا
وطلحة والزبير وابن مسعود وألزم أهل المدينة بحضور المسجد خوف الإغارة من العدو
لقربهم . فما لبثوا إلا ثلاثا حتى طرقوا المدينة ليلا وخلفوا بعضهم بذي حسى ( 1 )
ليكونوا لهم رداء ( 2 ) فوافوا ليلا الأنقاب وعليها المقاتلة فمنعوهم خارج المدينة
وأرسلوا إلى أبي بكر بالخبر فخرج إليهم جيش المدينة واتبعوهم حتى إذا كانوا بذي
حسى خرج إليهم أصحاب طليحة بقرب قد نفخوها وفيها الحبال فدهدهوها ( 3 ) على الأرض
فنفرت إبل المسلمين وهم عليها ورجعت بهم إلى المدينة ولم يصرع مسلم . وظن الكفار
بالمسلمين الوهن ثم انضم إلى رجال طليحة غيرهم من أصحابه وبات أبو بكر بالمدينة
يعبئ الجيش ثم خرج ليلا يمشي وعلى ميمنته النعمان بن مقرن وعلى ميسرته عبد الله بن
مقرن وعلى الساقة سويد بن مقرن . فما طلع الفجر إلا وهم والعدو على صعيد واحد
فقاتلهم المسلمون حتى ولوا مدبرين واقتفى أثرهم أبو بكر حتى نزل بذي القصة ( 4 ) .
وكان ذلك أول فتح فوضع بها الحامية وعليها النعمان بن مقرن وحلف أبو بكر ليقتلن من
المشركين بمن قتلوا من المسلمين وزيادة وازداد المسلمون قوة وثباتا
كانت
هذه الموقعة صغيرة ولكن كان للنصر الذي أحرزه أبو بكر شأن كبير ووقع عظيم في
النفوس . وقد كان المرتدون يتحدثون فيما بينهم بقلة عدد المسلمين فلو أنهم انهزموا
لكان الخطب فادحا . وعلى أثر هذا الانتصار طرقت المدينة الصدقات فانتعش المسلمون
وقويت عزيمتهم وكان أول من جاء بالصدقات إلى الخليفة وفود بني تميم وبني طيء
_________
( 1 ) ذو
حسى : واد بديار عبس وغطفان
( 2 ) معينا
( 3 ) دحرجوها
( 4 ) ذو
القصة : موضع على بريد من المدينة
عودة أسامة سنة 11ه ( سبتمبر سنة 632 م )
-
وأخيرا عاد أسامة من غزوته وأصبحت المدينة في مأمن من الخطر ووزع أبو بكر الغنائم
على الناس وقد نال أبو بكر ما أراد من إرسال أسامة واعتقد العرب بقوة المسلمين .
ثم إن أبا بكر استفاد من الفرصة التي سنحت له بطرد المرتدين من ذي القصة إلى
الربذة ( 1 ) واستخلف أسامة على المدينة وقال له ولجنده استريحوا وأريحوا ظهوركم
ثم خرج في الذين خرج معهم إلى ذي القصة وهم قوة صغيرة . فقال له المسلمون : ننشدك
الله يا خليفة رسول الله ألا تعرض نفسك فإنك إن تصب لم يكن للناس نظام ومقامك أشد
على العدو فابعث رجلا فإن أصيب أمرت آخر . فقال : ( لا والله لا أفعل ولأواسينكم
بنفسي )
سار
أبو بكر إلى ذي حسى وذي القصة حتى نزل بالأبرق ( 2 ) فاقتتلوا فهزم الحارث وعوف
وأخذ الحطيئة أسيرا فطارت عبس وبنو بكر وأقام أبو بكر على الأبرق أياما وغلب على
بني ذبيان وبلادهم وحماها لدواب المسلمين وصدقاتهم . ولما انهزمت عبس وذبيان رجعوا
إلى طليحة وهو ببزاخة ( 3 ) وكان رحل من سميراء إليها فأقام عليها وعاد أبو بكر
إلى المدينة
_________
( 1 ) الربذة
: من قرى المدينة على ثلاثة أميال وبها قبر أبي ذر وجماعة من الصحابة
( 2 ) موضع
كان من منازل بني ذبيان
( 3 ) بزاخة
: ماء لبني أسد بأرض
إرسال البعوث إلى المرتدين شعبان سنة 11ه ( تشرين الأول أكتوبر سنة
632 م )
-
لما استراح أسامة وجنده وكان قد جاءتهم صدقات كثيرة تفضل عنهم نظم أبو بكر البعوث
وعقد الألوية فعقد أحد عشر لواء . وفيما يلي أسماء القواد ووجهتهم :
- 1 - خالد
بن الوليد : سار إلى طليحة بن خويلد الأسدي فإذا فرغ منه سار إلى مالك بن نويرة
بالبطاح إن أقام له
- 2 - عكرمة
بن أبي جهل : إلى مسيلمة
- 3 - المهاجر
بن أبي أمية : إلى جنود العنسي ومعون الأبناء على قيس بن المكشوح ثم يمضي إلى كندة
بحضر موت
- 4 - خالد
بن سعيد إلى مشارف الشام
- 5 - عمرو
بن العاص : إلى قضاعة ووديعة
- 6 - حذيفة
بن محصن الغلفاني : إلى أهل دبا
- 7 - عرفجة
بن هيثنة : إلى مهرة
- 8 - شرحبيل
بن حسنة : في أثر عكرمة بن أبي جهل فإذا فرغ من اليمامة لحق بخيله إلى قضاعة
- 9 - معن
بن حاجز : إلى بني سليم ومن معهم من هوازن
- 10 - سويد
بن مقرن : إلى تهامة باليمن
- 11 - العلاء
بن الحضرمي : إلى البحرين
هؤلاء
هم القواد الذي اختارهم أبو بكر لقتال أهل الردة وعقد لكل واحد منهم لواء ومن هذا
يتبين أنهم أرسلوا إلى جميع العرب الذين كانوا قد ارتدوا فما أصعب مهمة أبي بكر
ومهمة قواده الذين كلفوا بإخضاع المرتدين وإعادتهم إلى لواء الإسلام ولم يبق
بالمدينة غير قوة صغيرة . وبقي أبو بكر في المدينة ولم يبعث عمر بن الخطاب وعلي بن
أبي طالب والزبير مع كفايتهم الحربية بل أبقاهم معه لاستشارتهم
فصلت
الأمراء من ذي القصة ونزلوا على قصدهم فلحق بكل أمير جنده وقد عهد إليهم عهده وكتب
إلى من بعث إليه من جميع المرتدين
وهذا
نص الكتاب الذي أرسله أبو بكر إلى المرتدين من العرب وأعطى كل أمير نسخة منه :
بسم
الله الرحمن الرحيم
( من
أبي بكر حليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بلغه كتابي هذا من عامة وخاصة
أقام على إسلامه أو رجع عنه . سلام على من اتبع الهدى ولم يرجع بعد الهدى إلى
الضلالة والعمى فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو وأشهد أن لا إله إلا هو
وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله . نقر بما جاء به ونكفر من أبى ونجاهده )
( أما
بعد فإن الله أرسل محمدا بالحق من عنده إلى خلقه بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله
بإذنه وسراجا منيرا لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين . فهدى الله بالحق
من أجاب إليه وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذنه من أدبر عنه حتى صار إلى
الإسلام طوعا أو كرها ثم توفى الله رسوله صلى الله عليه وسلم وقد نفذ أمر الله
ونصح لأمته وقضى الذي عليه . وكان الله قد بين له ذلك ولأهل الإسلام في الكتاب
الذي أنزل فقال { إنك ميت وإنهم ميتون } الزمر 30 ، وقال { و ما جعلنا لبشر من
قبلك الخلد أفئن مت فهم الخالدون } الأنبياء 34 ، وقال للمؤمنين { و ما محمد إلا
رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على
عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين } آل عمران 114 ، من كان يعبد محمدا
فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله وحده لا شريك له فإن الله له بالمرصاد حي قيوم
لا يموت ولا تأخذه سنة ولا نوم . حافظ لأمره منتقم من عدوه يجزيه وإني أوصيكم
بتقوى الله وحظكم ونصيبكم من الله وما جاءكم به نبيكم صلى الله عليه وسلم وأن
تهتدوا بهداه وأن تعتصموا بدين الله فإن كل من لم يهده الله ضال وكل من لم يعافه
مبتلى وكل من لم يعنه الله مخذول فمن هداه الله كان مهتديا ومن أضله كان ضالا .
قال الله تعالى { من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا } الكهف
17 ، ولم يقبل منه في الآخرة صرف ولا عدل . و قد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه
بعد أن أقر بالإسلام وعمل به اغترارا بالله وجهالة بأمره وإجابة للشيطان . قال
الله تعالى { و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق
عن أمر ربه . أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو . بئس للظالمين بدلا }
الكهف 51 . وقال : { إن الشيطان كان لكم عدو فاتخذوه عدوا . إنما يدعو حزبه
ليكونوا من أصحاب السعير } فاطر 6 ، وإني بعثت إليكم ( فلانا ) في جيش من
المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان وأمرته أن لا يقاتل أحدا ولا يقتله حتى يدعوه
إلى داعية الله فمن استجاب له وأقر وكف وعمل صالحا قبل منه وأعانه عليه . ومن أبى
أمرته أن يقاتله على ذلك ثم لا يبقى على أحد منهم قدر عليه وأن يحرقهم بالنار
ويقتلهم كل قتلة ويسبي النساء والذراري ولا يقبل من أحد إلا الإسلام فمن اتبعه فهو
خير له ومن تركه فلن يعجز الله . وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كل مجمع لكم .
والداعية الأذان . فإذا أذن المسلمون فأذنوا فكفوا عنهم وإن لم يؤذنوا عاجلوهم وإن
أذنوا اسألوهم ما عليهم فإن أبوا عاجلوهم وإن أقروا اقبلوا منهم واحملوهم على ما
ينبغي لهم )
هذا
إعلان عام للمرتدين وقد أمرهم بالخضوع والعودة إلى الإسلام حالا بمجرد الدعوة وإلا
كان كل أمير في حل من قتل من أبى وحرقه واستعمال الشدة معه وسبي الذراري والنساء
وأعطى
لكل قائد عهدا بوصية بما يجب عليه أن يتبعه ويسلكه للقيام بالمهمة التي عهد إليه
بها . وهذا نص العهد :
بسم
الله الرحمن الرحيم
( هذا
عهد من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم " لفلان " حين بعثه
لقتال من رجع عن الإسلام وعهد إليه أن يتقي الله ما استطاع في أمره كله . سره
وعلانيته . و أمره بالجد في أمر الله ومجاهدة من تولى عنه ورجع عن الإسلام إلى
أماني الشيطان بعد أن يعذر إليهم فيدعوهم بداعية الإسلام فإن أجابوه أمسك عنهم وإن
لم يجيبوه شن غارته عليهم حتى يقروا له ثم ينبئهم بالذي عليهم والذي لهم فيأخذ ما
عليهم ويعطيهم الذي لهم لا ينظرهم ولا يرد المسلمين عن قتال عدوهم فمن أجاب إلى
أمر الله عز وجل قبل ذلك منه وأعانه عليه بالمعروف . إنما يقاتل بالمعروف وإنما
يقتل من كفر بالله على الإقرار بما جاء من عند الله فإذا أجاب الدعوة لم يكن عليه
سبيل وكان الله حسيبه بعد فما استيسر به . ومن لم يجب داعية الله قتل وقوتل حيث
كان وحيث بلغ مرغمه لا يقبل من أحد شيئا أعطاه إلا الإسلام . فمن أجابه وأقر قبل
منه وعلمه ومن أبى قاتله . فإن أظهره الله عليه قتل منهم كل قتلة بالسلاح والنيران
. ثم قسم ما أفاء الله عليه إلا الخمس فإنه يبلغناه وأن يمنع أصحابه العجلة
والفساد وأن لا يدخل فيهم حشوا حتى يعرفهم ويعلم ما هم لئلا يكونوا عيونا ولئلا
يؤتى المسلمون من قبلهم وأن يقتصد بالمسلمين ويرفق بهم في السير والمنزل ويتفقدهم
ولا يعجل بعضهم عن بعض ويستوصي بالمسلمين في حسن الصحبة ولين القول )
موقعة بزاخة وفرار طليحة إلى الشام
-
وجه أبو بكر خالد بن الوليد لمحاربة طليحة فإذا فرغ من قتاله سار إلى مالك بن
نويرة بالبطاح ( 1 )
وكان
أبو بكر بعث عدي بن حاتم ( 2 ) قبل خالد بن الوليد إلى طيء وأتبعه خالدا وأمره أن
يبدأ بطيء ومنهم يسير إلى بزاخة ثم إلى البطاح ولا يبرح إذا فرغ من قوم حتى يأذن
له وأظهر للناس أنه خارج بجيش إلى خيبر حتى يلاقي خالدا وذلك بقصد إرهاب العدو
قدم
عدي بن حاتم إلى طيء كما أمره أبو بكر ليدعوهم إلى الإسلام قبل أن يحاربهم خالد .
فلما دعاهم وخوفهم طلبوا إليه أن يتوسط في تأخير الجيش عنهم ثلاثة أيام حتى
يتمكنوا من سحب من انضم إليهم إلى طليحة بن خويلد الأسدي لئلا يقتلهم . فعاد عدي
وأخبر خالدا بالخبر وتأخر وأرسلت طيء إلى إخوانهم عند طليحة فلحقوا بهم فعادت طيء
إلى خالد بإسلامهم
بعد
ذلك هم خالد بالرحيل إلى جديلة ( 3 ) فاستمهله عدي أيضا ريثما يكلمهم . فذهب إليهم
يدعوهم إلى الإسلام فلم يزل بهم حتى أجابوه فعاد إلى خالد بإسلامهم ولحق بالمسلمين
ألف راكب منهم وكان خير مولود في أرض طيء وأعظمه بركة عليهم لأنه كفاهم شر القتال
بدخولهم في الإسلام وأفاد جيش المسلمين وأراحهم من قتالهم وأفادهم بما انضم إليهم
منهم وفي الحقيقة فإن الخدمة التي أداها عدي بن حاتم للطرفين جليلة لا تقدر
وكان
خالد قد أرسل عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم طليعة فلقيها حبال أخو طليحة فقتلاه
فبلغ خبره طليحة فخرج هو وأخوه سلمة فقتل سلمة فقتل طليحة عكاشة وقتل أخوه ثابتا
ورجعا . فلما أقبل خالد بجيشه رأوا عكاشة وثابتا عكاشة قتيلين فتحرج المسلمون لذلك
وقالوا قتل سيدان من سادات المسلمين وفارسان من فرسانهم
سار
خالد بجيشه إلى بزاخة والتقى بجيش طليحة فتقاتلوا قتالا شديدا وطليحة ملتف في
كسائه يتنبأ لهم . وكان عيينة بن حصن ( 4 ) يقاتل مع طليحة في 700 من بني فزارة
قتالا شديدا
ولما
اشتدت الحرب كر عيينة بن محصن على طليحة وقال له : هل جاءك جبريل ؟ قال لا . فرجع
فقاتل ثم عاد إلى طليحة فقال له لا أبالك هل جاءك جبريل ؟ قال لا فقال عيينة حتى
متى ؟ قد والله بلغ منا . ثم رجع فقاتل قتالا شديدا . ثم كر على طليحة . فقال هل
جاءك جبريل ؟ فقال نعم . قال : فماذا قال لك ؟ قال : قال لي : إن لك رحى كرحاه
وحديثا لا تنساه . فقال عيينة قد علم الله أنه سيكون حديث لا تنساه . ( انصرفوا
بني فزارة فإنه كذاب ) فانصرفوا وانهزم الناس
وكان
طليحة قد أعد فرسه وراحلة لامرأته ( النوار ) فلما غشوه ركب فرسه وحمل امرأته ثم
نجا بها وقال :
( يا
معشر فزارة من استطاع أن يفعل هكذا وينجو بامرأته فليفعل ) ثم انهزم فلحق بالشام
ثم نزل على كلب وأسلم حين بلغه أن أسدا وغطفان قد أسلموا ولم يزل مقيما في كلب حتى
مات أبو بكر وكان قد خرج معتمرا ومر بجنبات المدينة فقيل لأبي بكر : هذا طليحة
فقال : ماذا أصنع به قد أسلم ؟
ولما
أوقع الله بطليحة وفزارة ما أوقع أقبل أولئك يقولون : ندخل فيما خرجنا منه ونؤمن
بالله ورسوله ونسلم لحكمه في أموالنا وأنفسنا . وقد بايع خالد من خضع وأسلم من
القبائل وهذا نص البيعة :
( عليكم
عهد الله وميثاقه لتؤمنن بالله ورسوله ولتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة وتبايعون على
ذلك أبناءكم ونساءكم )
ولم
يقبل من أحد من أسد وغطفان وطيء وعامر إلا أن يأتوه بالذين حرقوا ومثلوا وعدوا على
الإسلام في حال ردتهم فأتوا بهم فمثل بهم وحرقهم ورضخهم بالحجارة ورمى بهم من
الجبال ونكسهم في الآبار وأرسل إلى أبي بكر يعلمه ما فعل وأرسل إليه قرة بن هبيرة
ونفرا معه وزهيرا موثقين
أم
زمل بنت مالك بن حذيفة بن بدر فكانت قد سبيت أيام أمها أم قرفة ( 5 ) فوقعت لعائشة
فأعتقتها ورجعت إلى قومها وارتدت واجتمع إليها الفل فإمرتهم بالقتال وكثف جمعها
وعظمت شوكتها . فلما بلغ خالدا أمرها سار إليها فاقتتلوا قتالا شديدا أول يوم وهي
واقفة على جمل كان لأمها وهي في مثل عزها فاجتمع على الجمل فوارس فعقروه وقتلوها
وقتل حول الجمل مائة رجل وبعث خالد بالفتح إلى أبي بكر
_________
( 1 ) البطاح
: ماء في ديار أسد بن خزيمة
( 2 ) عدي
بن حاتم الطائي الذي يضرب بأبيه المثل في الجود وقد وفد عدي على النبي صلى الله
عليه وسلم سنة تسع في شعبان فأسلم وكان نصرانيا ووفد على أبي بكر في الردة بصدقات
قومه وثبت على الإسلام ولم يرتد وكان جوادا شريفا في قومه معظما عندهم وعند غيرهم
. حاضر الجواب وكان يفت الخبز للنمل ويقول إنهن جارات ولهن حق . توفي سنة 67 ه
( 3 ) بطن
من بطون طيء
( 4 ) عيينة
بن حصن يكنى أبا مالك أسلم بعد الفتح . وقيل أسلم قبل الفتح وكان من المؤلفة
قلوبهم ومن الأعراب الجفاة وارتد . وكان عيينة في الجاهلية من الجرارين يقود عشرة
ألاف وتزوج عثمان بن عفان زوجته
( 5 ) راجع
أم قرفة في كتاب محمد رسول الله للمؤلف ص 307
و308
أسر عيينة بن حصن
-
كان خالد بن الوليد أسر عيينة بن حصن فقدم به إلى أبي بكر فكان صبيان المدينة
يقولون له وهو مكتوف : يا عدو الله أكفرت بعد إيمانك ؟ فيقول ما آمنت بالله طرفة
عين فتجاوز عنه أبو بكر وحقن دمه
مثال من كلام طليحة
-
وأخذ من أصحاب طليحة رجلا كان عالما به فسأله خالد عما كان يقول فقال : إن مما أتي
به :
( والحمام
واليمام والصرد والصوام ( 1 ) قد صمن قبلكم بأعوام ليبلغن ملكنا العراق والشام )
ولم يبلغ ملك طليحة لا العراق ولا الشام بل هو الذي فر إلى الشام
ويغلب
على ظني أن خالدا لما سمع هذا السجع السخيف لم يتمالك من الضحك مع أن طليحة كان
شاعرا
_________
( 1 ) الصرد
وزان عمر : نوع من الغربان ورجل صائم وصوام مبالغة
هزيمة بني تميم وقصة مالك بن نويرة
-
بعد أن أخضع خالد بن الوليد القبائل التي تقطن التلال الواقعة شمالي المدينة سار
لقتال بني تميم بهضبة عند الخليج الفارسي وهم قسمان : نصارى وعباد أصنام منتشرون
في المراعي الواسعة بين اليمامة ومصب الفرات وكانوا قد أسلموا في زمن النبي صلى
الله عليه وسلم كسائر القبائل العربية وفرق فيهم عماله فكان الزبرقان منهم وسهيل
بن منجاب وقيس بن عاصم وصفوان بن صفوان وسبرة بن عمر ووكيع بن مالك ومالك بن نويرة
. ثم ارتدوا ومنعوا الزكاة بعد وفاة رسول الله ولما تولى أبو بكر الخلافة وانتصر
في أول موقعة له سار صفوان بن صفوان إلى أبي بكر بصدقات بني عمرو إلا أنه في هذه
الأثناء تشاغلت تميم بعضها ببعض وبينما هم كذلك جاءتهم سجاح بنت الحارث بن سويد بن
عقفان التميمية قد أقبلت من الجزيرة وادعت النبوة وكانت ورهطها في أخوالها من تغلب
تقود ربيعة ومعها الهذيل بن عمران في بني تغلب وكان نصرانيا فترك دينه وتبعها كما
أن سجاح كانت قد اعتنقت الديانة المسيحية قبل أن تتنبأ ومعها عقة بن هلال في النمر
وزياد بن فلان في إياد والسليل بن قيس في شيبان فأتاهم أمر أعظم مما هم فيه
لاختلافهم
وكانت
سجاح تريد غزو المدينة فأرسلت إلى مالك بن نويرة تطلب الموادعة فأجابها إلا أن
قبائل تميم الأخرى أبوا اتباعها وحاربوها في عدة مواقع فانهزمت هي ومالك وبعد أن
صالحتهم وبادلتهم الأسرى سارت في جنود الجزيرة قاصدة اليمامة وقالت :
( عليكم
باليمامة ودفوا ( 1 ) دفيف الحمامة . فإنها غزوة صرامة ( 2 ) لا يلحقكم بعدها
ملامة )
وكانت
سجاح تريد مهاجمة مسيلمة فقصدت بني حنيفة . فبلغ ذلك مسيلمة فخاف إن هو شغل بها أن
يغلب ثمامة وشرحبيل بن حسنة والقبائل التي حولهم على حجر وهي اليمامة فأهدى لهم ثم
أرسل يستأمنها على نفسه حتى يأتيها فجاءها في أربعين من بني حنيفة . فقال مسيلمة :
لنا نصف الأرض وكان لقريش نصفها لو عدلت وقد رد الله عليك النصف الذي ردت قريش
واجتمع
مسيلمة بسجاح وضرب لها قبة وتزوجها وصالحها على غلات اليمامة سنة تأخذ النصف وتترك
النصف فأخذت النصف وانصرفت إلى الجزيرة وخلفت الهذيل وعقبة وزيادا لأخذ النصف
الباقي فلم يفاجئهم إلا دنو خالد إليهم فانفضوا ويلاحظ أن سجاح لم تقم مع زوجها
مسيلمة الذي آمنت به بل تركته وعادت إلى الجزيرة
أما
مالك بن نويرة فإنه ندم على ما فعل لاتباعه سجاح وتحير في أمره وسار خالد بن
الوليد بعد أن فرغ من فزارة وغطفان وأسد وطيء يريد البطاح وبها مالك بن نويرة قد
تردد عليه أمره . وتخلفت الأنصار عن خالد وقالوا ما هذا بعهد الخليفة إلينا إن نحن
فرغنا من بزاخة أن نقيم حتى يكتب إلينا فتركهم خالد ومضى وندمت الأنصار ولحقوه ثم
سار حتى قدم البطاح فلم يجد فيها أحدا وكان مالك بن نويرة قد فرقهم ونهاهم عن
الاجتماع فلما قدم خالد البطاح بث السرايا وأمرهم بداعية الإسلام وأن يأتوه بكل من
لم يجب وإن امتنع أن يقتلوه . فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر من بني ثعلبة بن
يربوع . وكان فيهم أبو قتادة فشهد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا . وقال قوم إنهم لم
يفعلوا ذلك . فلما اختلفوا في أمرهم أمر خالد بن الوليد بحبسهم فحبسوا في ليلة
باردة وأمر مناديا فنادى أدفئوا أسراكم وهي في لغة كنانة القتل فظن القوم أنه أراد
القتل ولم يرد إلا الدفء فقتلوهم فقتل ضرار بن الأزور مالكا وسمع خالد الداعية ( 3
) فخرج وقد فرغوا منهم فقال : ( إذا أراد الله أمرا أصابه
)
_________
( 1 ) دفوا
: أسرعوا
( 2 ) صرامة
: قاطعة
( 3 ) الداعية
: الصراخ
زواج خالد
-
تزوج خالد أم تميم امرأة خالد بن نويرة . ولما وصل الخبر إلى المدينة قال عمر لأبي
بكر إن سيف خالد فيه رهق ( 1 ) وأكثر عليه في ذلك . فقال يا عمر : ( تأول فأخطأ
فارفع لسانك عن خالد فإني لا أشيم ( 2 ) سيفا سله الله على الكافرين ) وودى مالكا
( 3 ) وكتب إلى خالد أن يقدم عليه ففعل ودخل المسجد وعليه قباء ( 4 ) وقد غرز في
عمامته أسهما فقام عمر فنزعها وحطمها وقال له : قتلت امرأ مسلما ثم نزوت على
امرأته ( 5 ) والله لأرجمنك بأحجارك وخالد لا يكلمه يظن أن رأي أبي بكر مثله ودخل
على أبي بكر فأخبره الخبر واعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه وعنفه في التزويج الذي
كانت عليه العرب من كراهته أيام الحرب فخرج خالد وعمر جالس . فقال : هلم إلي يا
ابن أم شملة فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه فلم يكلمه . وقدم أخوه متمم بن نويرة
على أبي بكر يطالب بدم أخيه ويسأله أن يرد عليهم سبيهم فأمر أبو بكر برد السبي
وودى مالكا من بيت المال . غير أن سير ويليام موير يقول في كتابه ( الخلافة ) طبعة
1924 صفحة 26 ( 6 ) إن أبا بكر أمر برد الأسرى لكنه رفض أن يدي مالكا من غير أن
يشير إلى المصدر الذي استند إليه في الرفض وهذا يخالف ما جاء في تاريخ الطبري
والكامل لابن الأثير وأسد الغابة . فقد ورد في هذه المراجع أن أبا بكر أمر برد
السبي وودى مالكا . وقد كانت زوجة مالك بن نويرة غاية الجمال . وكان خالد بن
الوليد يحبها فقتل زوجها مالكا ليتزوجها مع أنه أقر بالإسلام . وقال مالك عندما
أمر خالد بقتله : ( إن هذه التي قتلتني ) يريد زوجته وهذا الذي استوجب غضب عمر على
خالد . وكان يريد أن يرجمه باعتباره زانيا
وفي
زواج خالد بزوجة مالك بن نميرة يقول أبو نمير السعدي
:
ألا
أقل لحي أوطئوا بالسنابك ... تطاول هذا الليل
من بعد مالك
قضى
خالد بغيا عليه بعرسه ... وكان هوى فيها قبل
ذلك
فأمضى
هواه خالد غير عاطف ... عنان الهوى عنها ولا
متمالك
فأصبح
ذا أهل وأصبح مالك ... إلى غير أهل هالكا في
الهوالك ( 7 ) ( 8 )
كان
ممن شهد لمالك بالإسلام أبو قتادة الحارث بن ربعي أخو بني سلمة وقد كان عاهد الله
أن لا يشهد مع خالد بن الوليد حربا أبدا بعدها وكان يحدث أنهم لما غشوا القوم
راعوهم تحت الليل فأخذ القوم السلاح قال فقلنا إنا مسلمون . فقالوا ونحن مسلمون .
قلنا فما بال السلاح معكم ؟ قالوا فما بال السلاح معكم ؟ قلنا فإن كنتم كما تقولون
فضعوا السلاح . قال فوضعوها ثم صلينا وصلوا . وكان خالد يعتذر في قتله أنه كان
يقول كذا وكذا . قال أو ما تعده لك صاحبا ؟ ثم قدمه وضرب عنقه وعنق أصحابه
_________
( 1 ) الرهق
: غشيان المحارم
( 2 ) لا
أشيم : لا أغمد سيفا
( 3 ) دفع
ديته ( المصحح )
( 4 ) قباء
ثوب يلبس فوق الثياب وقيل يلبس فوق القميص ويتمنطق عليه ج أقبية
( 5 ) نزا
: وثب
( 6 ) Muir 'Sir
William' - The رحمه اللهaliphate ( 924 ) Page 26
( 7 ) راجع
تاريخ أبي الفداء
( 8 ) نستبعد
صحة هذه الرواية . وليس كل ما ورد من الروايات في كتب التاريخ صحيحا . قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : الله الله في أصحابي لا تتخذوهم هدفا . . . أي اتقوا
الله في أصحابي لا تؤذوهم . ونحن نميل إلى اختيار الروايات التي تنزه الصحابة
جميعا رضي الله عنهم وغفر لهم . ( المنقح
)
موقعة اليمامة آخر سنة 11ه وبدء سنة 633 م
-
كان خالد بن الوليد يحارب المرتدين في اليمامة من أتباع مسيلمة . واليمامة موطن
بني حنيفة في وسط شبه جزيرة العرب وفي اتجاه الشرق قليلا . الشرق منها يوالي
البحرين وبني تميم والغرب يوالي أطراف اليمن والحجاز والجنوب نجران والشمال أرض
نجد . وطول اليمامة عشرون مرحلة وهي على أربعة أيام من مكة . بلاد نخل وزرع
بلغ
عدد جيوش مسيلمة 40 . 0000 مقاتل وهؤلاء هم الذين سار خالد لمحاربتهم
كان
مسيلمة رجلا صغير الجسم دميم الوجه له كفاءة تؤهله للزعامة . وكان قد قدم إلى
النبي صلى الله عليه وسلم في وفد بني حنيفة واجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم رجع إلى قومه وادعى أنه شريك رسول الله في النبوة فاتبعه بنةو حنيفة . وكتب
مسيلمة إلى رسول الله يذكر أنه شريكه في النبوة وأرسل كتابا مع رسولين فسألهما رسول
الله عنه فصدقاه فقال لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما . وكان كتاب مسيلمة :
( من
مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله . أما بعد فإني أشركت معك في الأمر وإن لنا
نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريش قوم يعتدون
)
فكتب
إليه رسول الله :
( بسم
الله الرحمن الرحيم . من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب أما بعد فالسلام على من
اتبع الهدى فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين )
فلما
مات رسول الله وبعث أبو بكر السرايا إلى المرتدين أرسل عكرمة بن أبي جهل في عسكر
إلى مسيلمة وأتبعه شرحبيل بن حسنة فاستعجل وانهزم وأقام شرحبيل بالطريق حين أدركه
الخبر وكتب عكرمة إلى أبي بكر بالخبر فكتب إليه أبو بكر
:
( لا
أرينك ولا تراني . لا ترجعن فتوهن الناس امض إلى حذيفة وعرجفة فقاتل أهل عمان
ومهرة ثم تسير أنت وجندك لا تستبرئون الناس حتى تلقى بها مهاجر بن أبي أمية ( 1 )
باليمن وحضرموت )
وكتب
إلى شرحبيل بالمقام إلى أن يأتي خالد فإذا فرغوا من مسيلمة تلحق بعمرو بن العاص
تعينه على قضاعة
فلما
رجع خالد من البطاح إلى أبي بكر واعتذر إليه فقبل عذره وأوعب معه المهاجرين
والأنصار وعلى الأنصار ( ثابت بن قيس بن شماس ) وعلى المهاجرين ( أبو حذيفة وزيد
بن الخطاب ) وأقام خالد بالبطاح ينتظر وصول البعث إليه . فلما وصلوا إليه سار إلى
اليمامة بجيشه لملاقاة العدو
ولما
بلغ مسيلمة دنو خالد ضرب عسكره بعقرباء ( 2 ) وخرج إليه الناس وخرج مجاعة بن مرارة
في سرية يطلب ثأرا لهم في بني عامر - فلم يكن يقصد قتال المسلمين - فأخذه المسلمون
وأصحابه وقتلهم خالد واستبقاه لشرفه في بني حنيفة وكانوا ما بين أربعين إلى ستين
وترك مسيلمة الأموال وراء ظهره
وفي
صباح اليوم التالي التقى الجيشان بسهل عقرباء وقال شرحبيل بن مسيلمة : ( يا بني
حنيفة قاتلوا فإن اليوم يوم الغيرة فإن انهزمتم تستردف النساء سبيات وينكحن غير
خطيبات . فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم ) فاقتتلوا بعقرباء
وكانت
راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حنيفة
وكانت
مع عبد الله بن حفص بن غانم فقتل فقالوا لسالم ( نخشى عليك من نفسك ) فقال ( بئس
حامل القرآن أنا إذا )
وكانت
راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس وكان أول من لقي المسلمين نهار الرجال بن
عنفوة ( 3 ) فقتله زيد بن الخطاب واشتد القتال ولم يلق المسلمون حربا مثلها قط
وانهزم المسلمون وخلص بنو حنيفة إلى مجاعة وإلى خالد فزال خالد عن الفسطاط ودخلوا
مجاعة وهو عند زوجة خالد يحرسها فأرادوا قتلها فنهاهم مجاعة عن قتلها وقال ( أنا
لها جار ) فتركوها وقال لهم ( عليكم بالرجال ) فقطعوا الفسطاط وحاق الخطر
بالمسلمين في هذه الساعة وأخذ بعضهم يحث على القتال ويستفز الهمم . فقال ثابت بن
قيس :
( بئس
ما عودتم أنفسكم يا معشر المسلمين . اللهم إني أبرأ إليك مما يصنع هؤلاء - يعني
أهل اليمامة - وأعتذر إليك مما يصنع هؤلاء - يعني المسلمين ثم قاتل حتى قتل
وقال
زيد بن الخطاب :
( لا
تحوز بعد الرجال . والله لا أتكلم اليوم حتى نهزمهم أو أقتل فأكلمه بحجتي . غضوا
أبصاركم . وعضوا على أضراسكم أيها الناس واضربوا في عدوكم وامضوا قدما )
وقال
أبو حذيفة :
( يا
أهل القرآن زينوا القرآن بالفعال
)
وقد
كانت لهذه الكلمات الحماسية أثرها في النفوس فحمل خالد في الناس حتى ردهم إلى أبعد
مما كانوا واشتد القتال وقاتل العدو قتال المستميت . وكانت الحرب يومئذ تارة
للمسلمين وتارة ابني حنيفة . وقتل سالم وأبو حذيفة وزيد بن الخطاب وغيرهم من كبار
المسلمين
ولما
رأى خالد ما الناس فيه واختلاط جيشه أراد أن يميزهم لتدب فيهم روح الغيرة فقال :
( امتازوا
أيها الناس لنعلم بلاء كل حي ولنعلم من أين نؤتى
)
وكان
أهل البوادي قد جنبوا المهاجرين والأنصار وجنبهم المهاجرين والأنصار . فلما
امتازوا قال بعضهم لبعض ( اليوم يستحى من الفرار ) فما رئي يوم أعظم نكاية غير أن
القتل كان في المهاجرين والأنصار وأهل القرى أكثر منه في البوادي
وثبت
مسيلمة فدارت رحاهم عليه وأدرك خالد أن الحالة لا تهدأ إلا إذا قتل مسيلمة فحمل
عليهم ودعا إلى البراز ونادى بشعار المسلمين يومئذ وكان ( يا محمداه ) فلم يبرز
إليه أحد إلا قتله وحمل على مسيلمة ففر وفر أصحابه وصاح خالد في الناس فهجموا
عليهم فكانت الهزيمة ونادى المحكم بن الطفيل وهو أحد قواد بني حنيفة المشهورين (
يا بني حنيفة الحديقة . الحديقة ( 4 ) ) ثم رماه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق
بسهم فوضعه في نحره فقتله . وكان ممن دخل الحديقة مسيلمة . وقال البراء بن مالك (
يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة ) فتردد المسلمون خوفا عليه . ثم
احتملوه فألقوه . فلما أشرف على الحديقة من الجدار اقتحم فقاتلهم عن باب الحديقة
التي كانت مغلقة حتى فتحها للمسلمين فاندفع المسلمون إليها كالسيل الجارف فأغلق
الباب عليهم بعد دخولهم جميعا ورمى بالمفتاح من وراء الجدار حتى لا يتمكن أحد من
الخروج فاقتتلوا قتالا شديدا وقتل مسيلمة . قتله وحشي مولى جبير بن مطعم ورجل من
الأنصار كلاهما قد أصابه . ووحشي هذا هو قاتل حمزة كما تقدم في السيرة النبوية .
فولت بنو حنيفة عند قتله منهزمة وأخذهم السيف من كل جانب حتى قتلوا عن آخرهم وأخبر
خالد بقتل مسيلمة فخرج بمجاعة يرسف في الحديد ليدله على مسيلمة وأخذ يكشف له عن
جثث القتلى حتى عثر عليه . فقال مجاعة لخالد ( ما جاءك إلا سرعان الناس ( 5 ) وإن
جماهير الناس لفي الحصون ) . فقال ويلك ما تقول ؟ قال هو والله الحق فهلم لأصالحك
عن قومي وكان خالد نهكته الحرب وأصيب معه من أشراف الناس من أصيب فقد رق وأحب
الدعة والصلح . ثم قال مجاعة : ( أنطلق إليهم فأشاورهم وننظر في هذا الأمر فأرجع
إليك ) فانطلق ودخل الحصون وليس فيها إلا النساء والصبيان ومشيخة فانية ورجال ضعفى
فظاهر الحديد على النساء وأمرهن أن ينشرن شعورهن وأن يشرفن على رؤوس الحصون حتى
يرجع إليهم ثم رجع فأتى فقال : قد أبوا ما صالحتك عليه وقد أشرف لك بعضهم نقضا علي
وهم مني براء - فنظر خالد إلى رؤوس الحصون وقد اسودت - ولكن إن شئت صنعت شيئا
فعزمت على القوم . قال ما هو ؟ قال تأخذ مني ربع السبي وتدع ربعا . فقال قد فعلت .
قال : قد صالحتك . فلما فرغ فتحت الحصون فإذا ليس فبها إلا النساء والصبيان
والشيوخ فقال خالد لمجاعة : ويحك خدعتني . قال : قومي ولم أستطع إلا ما صنعت
وقيل
صالحه خالد على الذهب والفضة والسلاح ونصف السبي ولما عرض هذا الصلح عارض قوم من
بني حنيفة ومنهم سلمة بن عمير الحنفي فإنه أبى إلا الحرب وتجنيد أهل القرى والعبيد
غير أن مجاعة أصر على الصلح وكتب خالد كتاب الصلح وهذا نصه
:
( هذا
ما قاضى عليه خالد بن الوليد مجاعة بن مرارة وسلمة بن عمير وفلانا وفلانا : قاضاهم
على الصفراء والبيضاء ( 6 ) ونصف السبي والحلقة ( 7 ) والكراع ( 8 ) وحائط من كل
قرية ومزرعة على أن يسلموا ثم أنتم آمنون بأمان الله ولكم ذمة خالد بن الوليد وذمة
أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذمم المسلمين على الوفاء )
ثم
وصل كتاب أبي بكر إلى خالد أن يقتل كل محتلم لكنه وصل متأخرا لأن خالدا كان قد
صالحهم فوفى لهم ولم يغدر والذي أوصل كتاب أبي بكر هو سلمة بن سلامة بن وقش
وحشرت
بنو حنيفة إلى البيعة والبراءة مما كانوا عليه إلى خالد وخالد في عسكره
_________
( 1 ) المهاجر
بن أبي أمية أخو أم سلمة زوج النبي صلى الله ع ليه وسلم . كان اسمه الوليد فسماه
رسول الله المهاجر
( 2 ) عقرباء
: منزل من أرض اليمامة في طريق النباح قريب من قرقرى من أعمال العرض وهو لقوم من
بني عامر بن ربيعة وهي التي خرج إليها مسليمة لما بلغه مسير خالد إلى اليمامة فنزل
بها لأنها في طريق اليمامة ودون الأموال وجعل ريف اليمامة وراء ظهره . النباح بين
البصرة واليمامة
وقرقرى
أرض يمر بها قاصد اليمامة من البصرة فيها قرى وزروع ونخيل كثيرة . والعرض بكسر
أوله وسكون ثانيه وادي اليمامة ويقال لكل واد فيه قرى ومياه عرض
( 3 ) نهار
الرجال بن عنفوة كان قد هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفقه في الدين فبعثه
معلما لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة . وليشدد من أمر المسلمين فكان أعظم فتنة
على بني حنيفة من مسيلمة . شهد له أنه سمع رسول الله يقول : أنه قد أشرك معه
فصدقوه واستجابوا له
( 4 ) الحديقة
هي بستان في أرض اليمامة لمسيلمة مسور بحائط قوي كانوا يسمونه " حديقة الرحمن
" فسموه " حديقة الموت
"
( 5 ) سرعان
الناس : أوائلهم
( 6 ) الذهب
والفضة
( 7 ) السلاح
( 8 ) الكراع
وزان غراب : الخيل
محاولة اغتيال خالد
-
لما اجتمعت بنو حنيفة للبيعة قال سلمة بن عمير لمجاعة استأذن لي على خالد أكلمه في
حاجة له عندي ونصيحة وقد أراد أن يفتك به فأذن له . فأقبل سلمة بن عمير مشتملا على
السيف يريد ما يريد . فقال خالد : من هذا المقبل ؟ قال مجاعة : هذا الذي كلمتك فيه
وقد أذنت له . قال : أخرجوه عني . فأخرجوه عنه ففتشوه فوجدوا معه السيف فلعنوه
وشتموه وأوثقوه وقالوا : لقد أردت أن تهلك قومك وايم الله ما أردت إلا تستأصل بنو
حنيفة وتسبى الذرية والنساء وايم الله لو أن خالدا علم أنك حملت السلاح لقتلك وما
نأمنه إن بلغه أن يقتل الرجال ويسبي النساء بما فعلت فأوثقوه وجعلوه في الحصن
وتتابع بنو حنيفة على البراء مما كانوا عليه وعلى الإسلام . و عاهدهم سلمة على أن
لا يحدث حدثا ويتركوه فأبوا ولم يثقوا بحمقه أن يقبلوا منه عهدا . فأفلت ليلا فعمد
إلى عسكر خالد فصاح به الحرس وفزعت بنو حنيفة فأتبعوه فأدركوه في بعض الحوائط فشد
عليهم بالسيف فاكتنفوه بالحجارة وأجال السيف على حلقه فقطع أوداجه ( 1 )
_________
( 1 ) الودج
بفتح الدال والكسر لغة : عرق الأخدع الذي يقطعه الذابح فلا يبقى معه حياة .
والودجان عرقان غليظان يكتنفان ثغرة النحر يمينا ويسارا والجمع أوداج مثل سبب
وأسباب
زواج خالد للمرة الثانية
-
تقدم عند ذكر قصة مالك بن نويرة أن خالد بن الوليد تزوج أم تميم امرأة مالك بعد
قتله وأن أبا بكر لما استدعاه إليه عنفه على ذلك لكنه في هذه المرة أراد أن يتزوج
أيضا بابنة مجاعة فعرض عليه ذلك . فقال له مجاعة : ( مهلا إنك قاطع ظهري وظهرك معي
عند صاحبك ) قال : أيها الرجل زوجني فزوجه . فبلغ ذلك أبا بكر فكتب إليه كتابا
شديد اللهجة وهذا ما جاء فيه :
( لعمري
يا ابن أم خال إنك لفارغ تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف ومائتي رجل من المسلمين
لم يجف بعد )
فلما
نظر خالد في الكتاب جعل يقول : ( هذا عمل الأعيسر يعني عمر بن الخطاب ( 1 ) )
ثم
ذهب وفد من بني حنيفة إلى أبي بكر وقص عليه ما كان من أمر مسيلمة وسألهم عن بعض
أسجاع مسيلمة فقالوا له شيئا منها فقال ( ويحكم إن هذا الكلام ما خرج إلا من إل
ولا بر فأين يذهب بكم ) ؟
خسائر
بني حنيفة : قتل بعقرباء 7000 ، وبالحديقة نحو 7000 ، وفي الطلب نحو منها وكانت
موقعة عقرباء أعظم مواقع أهل الردة
خسائر
المسلمين : قتل من المهاجرين والأنصار من المدينة 360 ومن المهاجرين من غير
المدينة 300 أو يزيدون عدا الجرحى
_________
( 1 ) راجع
تعليقنا على زواج سيدنا خالد ص 56 ( المنقح
)
أسماء من قتل باليمامة من مشهوري الصحابة
-
أبو حبة بن غزية الأنصاري
أبو
دجانة الأنصاري
أبو
عقيل البلوي
أبو
قيس بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي . جنادة بن عبد الله المطلبي القرشي
زرارة
بن قيس الأنصاري
السائب
بن عثمان بن مظعون الجمحي
السائب
بن العوام أخو الزبير لأبويه سعد بن جماز الأنصاري
سعد
بن جماز الأنصاري
سلمة
بن مسعود بن سنان الأنصاري
شجاع
بن وهب الأسدي
صفوان
بن عمرو
ضرار
بن الأزور الأسدي
الطفيل
بن عمرو الدوسي
عامر
بن ثابت بن سلمة الأنصاري
عائذ
بن ماعص الأنصاري
عباد
بن بشر الأنصاري
عباد
بن الحارث الأنصاري
عبد
الله بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي
عبد
الله بن عبد الله بن أبي سلول
عبد
الله بن عتيك الأنصاري
عبد
الله بن مخرمة بن عبد العزى العامري
علي
بن عبيد الله بن الحارث
عمارة
بن حزم الأنصاري
عمير
بن أوس بن عتيك الأنصاري
فروة
بن النعمان
Tidak ada komentar:
Posting Komentar